وللمفاعلة في غير معنى المشاركة منحى آخر هو الصيرورة كعافاك الله إذا صيَّرك ذا عافية. قال الرضي:"وقد يجيء بمعنى جعل الشيء ذا أصله كأفعل وفعَّل بالتشديد نحو راعنا سمعك أي اجعله ذا رعاية لنا كأرعنا، وصاعر خدّه جعله ذا صعر، وعافاك الله أي جعلك ذا عافية، وعاقبت فلاناً أي جعلته ذا عقوبة، وأكثر ما تجيء هذه الأبواب الثلاثة متعدية". ويمكن أن تحمل (المباركة) على باب الصيرورة، فبارك الله لك في هذا أي جعله مباركاً.
ولا بد في كل مفاعلة إذا كانت بمعنى أصلها الثلاثي من أن تحمل معنى زائداً على الأصل، لزيادة لفظها كجاوز بمعنى جاز. فجاز الطريق لزم جوزه أي وسطه، كما في المفردات، قال الجوهري "جاز الموضع سلكه وسار فيه"، أما جاوز الطريق فمعناه تجاوز جوزه أي وسطه، كما ذهب إليه الراغب.
وبقي أن نذكر للمفاعلة، في غير المشاركة، معنى شائعاً في الاستعمال لم يشر إليه الرضي، وقد ألح عليه بعض الأئمة، فقد جاء في كتاب (البناء في علم التصريف) لمحمد الكفوي: "وذكر الكشاف في بعض شروحه أن في هذا الباب معنى آخر كثير الاستعمال، وهو أن يكون من أحد الطرفين صدور أصل الفعل، ومن الطرف الآخر ما يقابله، بناء على جعل ما يقابله قائماً مقامه، كقولك بايع زيد عمراً، فإن الصادر عن أحدهما البيع، ومن الآخر الشراء". أي أن معنى قولك (بايع زيد عمراً) صدور أصل الفعل وهو البيع، من زيد، وصدور ما يترتب عليه في مقابلة ذلك وهو الشراء، من عمرو. ونحو ذلك يترتب عليه في مقابلة ذلك من الآخر وهو الأخذ والتناول. ومن ذلك (المعاطاة) ففي اللسان (المعاطاة: المناولة) فعاطاه الشيء معاطاة وعطاء بكسر العين ناوله إياه فتعاطاه أي تناوله.