للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقال المرزوقي: "ومعنى بشطره كأن الدهر ادّعى أنه قسيمه في بنيه وأن له منهم الشطر وهو النصف، فقاسمه على ذلك، فلما استوفى حظه أقبل يأخذ من نصيبه الذي كان أقر له به وساهمه عليه". فقد رأيت أن المرزوقي قد عاد إلى استعمال (قاسمه عليه) وأشار من جانب خفي إلى العقد الذي تصوره بين الشاعر ودهره حول اقتسام البنين بقوله: "فلما استوفى حظه أقبل يأخذ من نصيبه الذي كان قد أقر له به، وساهمه عليه". وتقول (قارع القوم على كذا وتقارعوا واقترعوا) إذا قاسموا وتقاسموا واقتسموا بالقرعة، أي تعاقدوا فاتفقوا على تعيين أسهمهم وأنصبائهم بالقرعة. وقد تكون المقاسمة وجهاً من وجوه المقارعة والمساهمة.

وهل يصح قولك (قاسمه في كذا) ؟ أقول إنما يصح (قاسمه في كذا) على حذف المفعول أيضاً، إذا كان في الكلام ما يغني عن ذكره. فانظر إلى ما جاء في مقدمة كتاب الوساطة بين المتنبي وخصومه لأبي الحسن القاضي الجرجاني: "وما عقوق الوالد البرّ، وقطيعة الأخ المشفق، بأشنع ذكراً، ولا أقبح وسماً من عقوق من ناسيك إلى أكرم آبائك، وشاركك في أفخر أنسابك، وقاسمك في أزين أوصافك، ومتّ إليك بما هو حظك من الترف وذريعتك إلى الفخر..". فقوله (وقاسمك في أزين أوصافك) إنما يصح على حذف المفعول، كأن يكون تقدير الكلام (وقامسك نصيبك أو حظك في أزين أوصافك) .

أما (ساهمة) فالأصل في معناه (قارعه) . ففي اللسان "استهم الرجلان تقارعا، وساهم القوم فسهمهم سهماً قارعهم فقرعهم، واستهموا اقترعوا وتساهموا تقارعوا". وإذا كان من معاني المقارعة المضاربة بالسلاح، فإن منها المغالبة في القرعة، والقرعة بالضم السهم والنصيب، وإلقاء القرعة عمل يتعين به سهم الإنسان ونصيبه.

وتقول من ذلك أسهمت لنفسي في كذا إذا جعلت لها نصيباً فيه، كما في الأفعال لابن القوطبة، فأسهمت في كذا إذا شاركت.

وهكذا انتهت (المساهمة) إلى معنى المشاركة. قال زهير بن أبي سلمى:

<<  <   >  >>