للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإذا قلت (صمدت للعدو) ، وهو ما نحن بسبيل الكشف عن معناه، فليس (الصمد) فيه التوجه والمضي إلى العدو وحسب، وإنما هو اعتزام قتاله والتحفز للوثوب عليه أيضاً. ففي حديث معاذ بن الجموح في قتل أبي جهل، وقد رواه ابن الأثير في النهاية: "فصمدت له حتى أمكنتني منه غرة" قال ابن الأثير: أي ثبتّ له وقصدته وانتظرت غفلته". وفي القصد الذي فُسر به الصمد ما أشرنا إليه من معاني التوجه والطلب، ومن العزم على القتال. والتهيؤ للوثوب كما سنبسطه لك. وأنت إذا قلت في تفسير (فصمدت له حتى أمكنتني منه غرة) : مضيت إليه حتى أمكنتني منه غفلة، ضعف المعنى وتخلف، وإذا قلت في تفسيره: مضيت إلى العدو أبتغيه معتزماً قتاله متحفزاً للوثوب عليه، حتى أمكنتني منه غفلة فرميته، وضح المعنى وحسن ودق، قال الدكتور جواد: "فكيف يثبت له ويقصده بفعل واحد، وكيف تجمع الحركة والسكون أو الركون والحركة في فعل واحد؟ ".

أقول إن ابن الأثير قد أضاف (ثبَتُ له) ليزيد في إيضاح المعنى. فإن نص الحديث: "فصمدت له حتى أمكنتني منه غرة" أي استمر صمدي له حتى كان ذلك. كأن تقول: (وطئت الوعثاء حتى ذللت الصعاب) أفكنت تخطئ لو قلت في تفسيره (استمر وطئي للوعثاء حتى ذلَّلت الصعاب؟ فالثبات الذي أضافه ابن الأثير تأكيد لهذا الاستمرار الذي دلت عليه القرينة.

أما قول الدكتور جواد (كيف تجتمع الحركة والسكون) فعجب حقاً! فمن قال له إن الثبات أو الاستمرار الذي شفَّت عنه العبارة هو السكون؟ وهل يعني قولك: (ثبت فلان في الحرب) أو (ثبت فلان قبالة خصمه) أنه سكن وجمد فلم يتزحزح أو يُبدِ حراكاً؟ فالثبات في هذا الموضع هو ثبات القلب في القتال ومداومته العزم على المواثبة. أفليست الحرب جولات من كر وفر؟ فكيف يسكن الشجاع فيها والجولان حركة مستمرة، أفيصبح أن يكون ثبات الشجاع سكون جسمه وجمود حركته، أو ثبوت أصله في الأرض كرسو السفينة في سيف البحر؟

<<  <   >  >>