للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أقول إني لأستسرف دعوى جواد هذه، فإذا كان قد أصاب في ذهابه مذهب الكوفيين وقياسه قياسهم فإن جل ما جاء به من الأدلة على سداده واستقامته، اصطلاحي اعتباري. ويكاد يكون أظهر هذه الأدلة أن الفعل تجسيد والمصدر تجريد والمجسد أسبق إلى الذهن من المجرد، وليس هذا جديداً كما أوضحناه، وكذلك قوله أنك تكتب ثم تسمي فعلك الكتابة وهو ما صرح به الكوفيون حين ذكروا أن المصدر لا يتصور معناه ما لم يكن فعل فاعل. فليس صحيحاً أنه قد تفرد بما ساق من الأدلة فأتى مبتكراً، بما لم تفتح العين على مثله، أو نزع مقترحاً، إلى ما لم يسبق إليه سابق أو ينازعه فيه منازع.

وتابع السكاكي أبو يعقوب (ت ٦٢٦هـ) في (مفتاح العلوم) الكوفيين فاقتاس بهم ووطئ مواقع أقدامهم واعتل لأصالة الفعل بأن المصدر يتبع الفعل في إعلاله وتصحيحه، ودليل السكاكي هذا اعتباري اصطلاحي.

على أن ثمة منحى يوضح الأمر ويجلوه ويكشف عن مكنونه، ذلك أن اللغات السامية قد اعتدّت الفعل أصلاً للاشتقاق دون المصدر، كما أوضح ذلك الدكتور اسرائيل ولفنسون في كتابه " تاريخ اللغات السامية"/١٤/ إذا قال تتميز اللغات السامية في بعض أحوالها عن أنواع اللغات الأخرى بمميزات وخصائص تجعل من كل من هذه اللغات كتلة واحدة. وأهم تلك المميزات تنحصر: ١-في أن هذه اللغات تعتمد على الحروف الصامتة وحدها ولا تلتفت إلى الحروف الصوتية كما هي الحال في اللغات الآرية.. ٢-وأن أغلب الكلمات يرجع في اشتقاقه إلى أصل ذي ثلاثة أحرف.. ٣-واشتقاق الكلمات من أصل هو الفعل ... " وأردف: "وقد رأى بعض علماء اللغة العربية أن المصدر الاسمي هو الأصل الذي يشتق منه أصل الكلمات والصيغ، لكن هذا الرأي خطأ في رأينا لأنه يجعل أصل الاشتقاق مخالفاً لأصله في جميع أخواتها السامية".

<<  <   >  >>