للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لكن الكسائي احتج إلى ذلك بآية أخرى، هي قوله تعالى: (فالق الإصباح وجعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً ذلك تقدير العزيز العليم (. الأنعام /٩٦ فقد قرئ (وجاعل الليل سكناً (كما قرئ (فَلَق الإصباح (. وقد تقدم هذه الآية، قوله تعالى: (إن الله فالق الحب والنوى (. فقدر في هذا معنى المضي، كما قدَّر فيه معنى الحال. قال أبو البقاء عبد الله العكبري في (إعراب القرآن) : "قوله تعالى (فالق الحب (يجوز أن يكون معرفة لأنه ماضٍ، وأن يكون نكرة على أنه حكاية". أي يجوز أن تكون إضافة (فالق) محضة تفيد التعريف فتفيد المضي فيلغى عمل اسم الفاعل، كما يجوز أن تكون إضافته غير محضة فلا تفيد تعريفاً فتدل على الحال ويكون اسم الفاعل عاملاً. ويمضي العكبري فيقول: "وجاعل الليل مثل فالق الإصباح في الوجهين". أي في كون الإضافة محضة أو غير محضة، وفي إعمال اسم الفاعل أو إلغائه، وإفادة الحال، أو الماضي. وبقي الخلاف في نصب (سكناً) من قوله تعالى: (وجاعل الليل سكناً (. قال العكبري: "وسكناً مفعول جاعل إذا لم تعرفه، وإن عرفته كان منصوباً بفعل محذوف أي جعله سكناً"، أي أن الإضافة إذا لم تكن محضة فاسم الفاعل عامل يفيد الحال، و (سكناً) مفعول لاسم الفاعل. وإذا كانت محضة فاسم الفاعل ملغى يفيد المضي و (سكناً) مفعول لفعل محذوف. وهنا محل الخلاف، فالكسائي قد ذهب إلى أن نصب (سكناً) مع دلالة اسم الفاعل على المضي، دليل على عمل اسم الفاعل ولو أفاد الماضي و (سكناً) مفعول لاسم الفاعل، خلافاً للبصريين الذين اشترطوا لعمل اسم الفاعل أن يدل على الحال أو الاستقبال، دون الماضي، فإذا دل على المضي فقد ألغي عمله، وهذا ما قادهم إلى أن يقدروا فعلاً محذوفاً ينصبون به (سكناً) على المفعولية، بعد أن ألغوا اسم الفاعل حين قدروا فيه معنى المضي. وقد أخذ العكبري في (إعراب القرآن) ، عامة بمذهب البصرية.

<<  <   >  >>