للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ذهب البصريون إلى أن اسم الفاعل إما أن يفيد الماضي، ولا يتأتى ذلك إلا بإضافته إضافة محضة تفيد التعريف، وإما أن تفيد الحال أو الاستقبال، ولا يكون هذا إلا بإعمال اسم الفاعل وتنوينه، أو بإضافته إضافة غير محضة لا تفيد تعريفاً.

وقد بسط القول في ذلك القرطبي أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري في تفسير قوله تعالى: (كل نفس ذائقة الموت (. آل عمران/ ١٨٥. قال القرطبي: " (ذائقة الموت (. بالإضافة، وقرأ الأعمش ويحيى وابن أبي إسحاق ذائقة الموت بالتنوين ونصب الموت. قالوا لأنها لم تذق بعد". وأردف: "ذلك أن اسم الفاعل على ضربين: أحدهما أن يكون بمعنى المضي، والثاني بمعنى الاستقبال. فإن أردت الأول لم يكن فيه إلا الإضافة إلى ما بعده، كذلك قولك: هذا ضارب زيد أمس ... لأنه يجري مجرى الاسم الجامد وهو العلم ... "، أي أن الإضافة فيه محضة. وتابع يقول: "وإن أردت الثاني جاز الجر والنصب والتنوين، فيما هذا سبيله هو الأصل، لأنه يجري مجرى الفعل المضارع، فإن كان غير متعدٍ لم يتعدَّ نحو قائم زيد. وإن كان متعدياً عدّيته ونصبت به فتقول: زيد ضارب عمرواً بمعنى يضرب عمرواً. ويجوز حذف التنوين والإضافة تخفيفاً"، ومعنى هذا أن تنوين اسم الفاعل ونصبه المفعول به، كحذف تنوينه مع إضافته، في إفادة الحال، مادامت الإضافة غير محضة.

*اسم الفاعل والاستمرار:

إذا قيل أن دلالة اسم الفاعل هي (الاستمرار) فسِّر ذلك على أحد وجهين: الأول أن يعني الاستمرار اشتمال هذه الدلالة على الحال أو الاستقبال حيناً وعلى الماضي حيناً آخر. وهذا ما حمل الكوفيين على أن يسمُّوا اسم الفاعل بالفعل الدائم. وقد جاء في الكليات لأبي البقاء: "اسم الفاعل إذا كان للاستمرار يصح إعماله نظراً إلى اشتماله على الحال أو الاستقبال، وإلغاؤه نظراً إلى اشتماله على الماضي ـ ٥/٣١٧"، كما ذكرنا ذلك قبل، ولا ننسى أن الكوفيين قد اعتقدوا اشتماله على الماضي أيضاً، ولو كان عاملاً.

<<  <   >  >>