للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أقول كان التعويل على الشهرة محل رعاية يوم بدئ بتدوين اللغة بظهور المعاجم. فقد عاش أبو زيد في أواخر القرن الثاني للهجرة وتوفي في أوائل القرن الثالث (ـ ٢١٥هـ) ، وبدأ الرواد بوضع معاجمهم منذ أواخر القرن الثاني وحتى أواخر القرن الرابع. فقد وضع معجم العين للخليل (ت ١٧٠ هـ) ، ويعد الخليل رائداً في وضع المعاجم العربية، وتلا (العين) معاجم في المعاني والموضوعات وأخرى في الألفاظ والمفردات. ومما ألف في الألفاظ والمفردات الجمهرة لابن دريد (ـ ٣٢١هـ) ، وديوان الأدب للفارابي (ـ ٣٥٠ هـ) ، والبارع لأبي علي القالي (ـ ٣٥٦هـ) ، والأفعال لابن قوطية (ـ ٣٦٧هـ) . والتهذيب للأزهري (ـ ٣٧٠ هـ) ، ثم الصحاح للجوهري (ـ ٣٩٣هـ) ، والمقاييس والمجمل لابن فارس (ـ ٣٩٥ هـ) . وإذا كان الأوائل من هؤلاء قد عولوا غالباً على التمييز بين المشهور وغير المشهور من اللغات المسموعة عامة، وأشاروا إلى غير الثابت غالباً ولم يشيروا إليه حيناً، فقد عوَّل الجوهري من المسموع على الصحيح الثابت مشهوراً كان أو غير مشهور، وأسمى معجمه (الصحاح) . قال السيوطي في المزهر (١/ ٦٠ ـ ط = ١٣٢٥هـ) : "وغالب هذه الكتب لم يلتزم فيها مؤلفوها الصحيح، بل جمعوا فيها ما صحَّ وغيره، وينبهون على مالم يثبت غالباً، وأول من التزم الصحيح مقتصراً عليه الإمام أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري، ولهذا سمَّى كتابه: "الصحاح"، وهكذا أصبح الصحيح الثابت لديه، هو المسموع المعوَّل عليه. وقد فعل ابن فارس في مجمل ما فعل الجوهري في صحاحه.

<<  <   >  >>