للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولا يشترط في (التفاعل) أن يفيد التشارك فقد يفيد المطاوعة في مثل قولك باعدته فتباعد، والمطاوعة هنا قبول أثر الفعل، وقد يفيد إظهار ما ليس واقعاً نحو تجاهل وتغافل أي أظهر الجهل والغفلة من نفسه، وهما منتفيان لديه. ومنه تحالمت. قال ابن قتيبة في أدب الكاتب: "وليس تفعّلت في هذا بمنزلة تفاعلت. ألا ترى أنك تقول تحالمت فالمعنى أنك أظهرت الحلم، ولست كذلك. وتقول تحلّمت فالمعنى أنك التمست أن تصير حليماً/ ٣٥٠". وكذلك تمارض وتغابى، أي تظاهر بالمرض والغباء. وهكذا تعامى، قال الحريري في مقامته البرقعيدية:

عن الرشد في أنحائه ومقاصده

ولما تعامى الدهر وهو أبو الورى

ولا غرو أن يحذو الفتى حذو والده

تعاميت حتى قيل إني اخو عمي

وأخذ الزمخشري في المفصّل بقياس تفاعل إذا أريد به ما ليس واقعاً لكثرة ما جاء منه بهذا المعنى. وقد استعمل الجاحظ (تحاذق) في رسائله في ذم أخلاق الكتّاب فقال: "فإن أحدهم يتحاذق عند نظرائه بالاستقصاء على مثله". ولم يسمع عن العرب (تحاذق) ، فإذا صح هذا كان قولهم (تعالم) إذا أظهر العلم صحيحاً قياساً على تجاهل.

ومما يفيده التفاعل وقوع الحدث تدريجاً كتفاقم الأمر وتواردت الإبل وهكذا تزايد وتنامى وتكاثر وتعاظم وترافد ونحو ذلك تهافت أي تساقط قطعة قطعة، كما في الصحاح.

وهكذا يصف امرؤ القيس نفسه في نزعه فيقول:

فيالكِ نُعمى قد تحولتِ أبؤسا

وبُدّلت قُرحاً دامياً بعد صحة

ولكنها نفس تساقط أنفسا

فلو أنها نفس تموت سوية

أي تتساقط أنفساً.

وقد يعني التفاعل مجرد وقوع الحدث كتخاطأ بمعنى أخطأ، تقول تخاطأته النبُل أي تجاوزته وتعدته فلم تصبه.

وجاء في أدب الكاتب لابن قتيبة: "وتأتي تفاعلت وتفعّلت بمعنى، تقول تعطيت وتعاطيت وتجوزت عنه وتجاوزت عنه وتذأبت الريح وتذاءبت، أي جاءت مرة من ها هنا ومرة من ها هنا/٣٥٠".

بناء التفاعل:

<<  <   >  >>