ذكر الدكتور جواد أن المفعول الحقيقي قد سُمِّيَ (مطلقاً) لخلوِّه من كل قيد، على حين قيد كل مفعول سواه بصلة من الصلات، فـ (به) و (فيه) و (لأجله) و (معه) هي هذه الصلات، وما أتى به الأستاذ جواد منسَّق سديد، واضح القصد، بين الدلالة والغرض، وقد بسط رأيه هذا، وأردف (وإذا كان تطبيق الرأي على واقع العربية صحيحاً، لم يجز لمعترض أن يقول لي: هذا لم يقل به العلماء. فالقواعد النحوية لم تنشأ مجموعة ولم يبتدعها الجمهور في زمن واحد، بل نشأت بالتدريج، وابتدعها نحويون مختلفون في أزمان مختلفة باستقراء كلام العرب وما جاء على مثال كلامهم..) وتابع حديثه فقال (ومن أثبت من علماء النحو المجتهدين رأيه بالدليل المبين، فإنه من الخطل والحسد والبلادة أن يقال له: هذا لم يقل به أحد غيرك، فهو مجتهد، وبالاجتهاد تمت تلك الجمهرة من القواعد ... وإنما يجوز للمعترض أن يبطله باستدلال آخر يدعمه بالبراهين النيِّرة والشواهد الكافية) . وأقوال الأستاذ هذه، محكمة أيضاً، ماثلة الأغراض، لا قلق فيها ولا اضطراب، وهو في ذلك دقيق البحث، بعيد البحث، بعيد الغور، سليم الحجة.
ولكن ما الذي يعنيه ظاهر رأيه هذا وواضح قوله في الكشف عنه، ألا يعنيان أن النحاة قد أغفلوا ذلك وتجاوزوه. فلم يفطنوا له أن يلتفتوا إليه، وأنه قد استدرك عليهم ما فاتهم وغاب عنهم فلو يحفلوا به أو يأبهوا له؟ ومؤدى ذلك أنه تفرد بما ساقه من الآراء والأدلة فأتى بما تُفتح العين على مثله، ونزع إلى ما لم يُسبق إلى شيء منه.
فهل خفي على النحاة حقاً أن يميزوا (المفعول المطلق) من سائر المفعولات، وأن يخصُّوه بحكم، أو يفردوه بوصف وحال؟
المفعول المطلق عند النحاة
إن ما قاله الأستاذ جواد في التفريق بين (المفعول المطلق) وسائر المفعولات، قد قاله النحاة جملة وتفصيلاً، بل مَضَوا في شرحه وتبيانه وأفاضوا في الحديث عنه وأسهبوا، وبسطوا القول فيه بسطاً.