والخلاصة أن قول الكتاب (أما وقد نجح.. فإنه) صوابه تشديد الميم في –أمّا- لا تخفيفها، والجملة بعدها حالية، قال الإمام السيوطي في كتابه (همع الهوامع –٢/٦٨) : "ولا تعمل أمّا في اسم صريح فلا تنصب المفعول خلافاً للكوفية ... غير الظرف والمجرور والحال فإنها تعمل فيها وفاقاً، لأن هذه الأشياء يعمل فيها معنى الفعل". ولا بأس أن نأتي بمثال مما جاء من كلام الجاحظ، على نحو المثال الذي نحن فيه. قال الجاحظ في كتابه (حجج النبوة) : "فأما والأمر كما وصفنا وبينّا فما الطاعن على عثمان إلا رجل أخطأ خطة الحق وعجل على صاحبه ... رسائل الجاحظ للسندوبي/ ١٢٢". فقد جاء الكاتب بأمّا المشددة الشرطية وأتبعها الجملة الحالية (والأمر كما وصفنا..) ثم أدخل الفاء على جواب (أمّا) فقال (فما الطاعن على عثمان..) ، وسيأتي الكلام مفصلاً على (أمّا) المشددة هذه بعد.
٥-أمّا:
(أمّا) المفتوحة الهمزة المشددة الميم تكون بمعنى –مهما- الشرطية وإن لم تعمل عملها في الجزم، فإذا قلت (أمّا خالد فهو شاعر) فإنك تعني (مهما يكن من شيء فخالد شاعر) أي تعني بذلك الشرطية والتوكيد جميعاً. قال ابن هشام الأنصاري في كتابه (مغني اللبيب –١/٥٣ و٤٥) : "وأما التوكيد فقلَّ من ذكره، ولم أرَ من أحكم شرحه غير الزمخشري فإنه قال: فائدة أما في الكلام أن تعطيه فضل توكيد. تقول زيد ذاهب، فإذا قصدت توكيد ذلك وأنه لا محال ذاهب ... قلت: أما زيد فذاهب، ولذلك قال سيبويه في تفسيره- مهما يكن من زيد فزيد ذاهب- وهذا التفسير مُدل بفائدتين: بيان كونه توكيداً وأنه في معنى الشرط.
وهي كما تأتي للتوكيد تأتي للتفصيل، كما في قوله تعالى: "فأمّا اليتيم فلا تقهر وأمّا السائل فلا تنهر وأمّا بنعمة ربِّك فحدّث- ونحو ذلك ما جاء في سورة الكهف:"أما السفينة فكانت لمساكين/٧٩"، "وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين/٨٠"، "وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين/٨٢".