للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أتت جملة (أراها) مستأنفة، فكانت جواباً عن سؤال مقدَّر لا تقتضيه (وتظن) بالضرورة وهو: وما قولك فيما تظن سلمى؟

ولكن هل ثمة أداة للاستئناف. أقول الأصل ألاَّ تكون ثمة أداة.

فإذا اختلفت الجملتان خبراً وإنشاءً فلا محل بينهما لأداة من عاطف أو سواه. تقول (توفي خالد رحمه الله) ولا تقول (ورحمه الله) . فـ (توفي خالد) جملة خبرية و (رحمه الله) إنشائية مستأنفة، فلا محل بينهما لعاطف لامتناع عطف الإنشاء على الخبر أو الخبر على الإنشاء، عند الأكثرين. ومن ذلك قوله تعالى: "خلق السموات والأرض بالحق تعالى عما يشركون- النحل٣"، فالجملة الأولى خبرية والثانية إنشائية مستأنفة، ولا محل بينهما لعاطف.

ويصح استئناف الجملة المستأنفة بالفاء، إذا لم تختلف الجملتان خبراً وإنشاءً، كقوله تعالى: "فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رهقاً- الجن ١٧"، وقوله تعالى: "ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً –طه١١٢". فقوله (فلا يخاف) في الآيتين، هو في الأصل جواب الشرط. فمن رفع (فلا يخاف) استأنف بالفاء وكان التقدير (فهو لا يخاف) ، ومن جزم (فلا يخف) فعلى النهي.

وهكذا قوله تعالى: "بديع السموات والأرض إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون –البقرة ١١٧"، فالجمهور على أن من قرأ (فيكون) بالرفع كان ذلك عطفاً على (يقول) ، أو هو على الاستئناف بالفاء، على تقدير (فهو يكون) .

وقد جعلوا من ذلك قول الحُطيئة: (يريد أن يعربه فيعجمُه) برفع (فيعجمُه) على الاستئناف بمعنى فإذا هو يعجمه، لأنه لا يريد الإعجام.

ولكن جاء قوله تعالى: "عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يُشركون –المؤمنون ٩٢". فما مسوَّغ دخول الفاء على الجملة الإنشائية والأصل أن يستأنف الإنشاء بعد الخبر، بلا أداة؟

<<  <   >  >>