وقال المغربي في كتابه (الاشتقاق والتعريف/ ١٥) : (ويجري التنبيه على شيئين: الأول أن الكلمة الأكثر شيوعاً وتداولاً تجعل الأصل المشتق منه، والأخرى الأقل شيوعاً تجعل مشتقاً. فمن ثم كان الجذب هو الأصل والجبذ هو الفرع المشتق،.. والثاني أنه مهما كان معنى جذب وجبذ واحداً فلا بد أن يكون في أحدهما شيء من المعنى لم يلاحظ في الآخر) . أقول: إذا ثبتت صحة القلب في (جذب وجبذ) فلا شكّ أن مدار الحكم بأصلية الأصل، على شيوع اللفظ. لكن هذا مرهون باتحاد المعنى لا باختلافه. وخلاصة الأمر أنه إذا كان الاشتقاق الكبير ذريعة إلى المد اللغوي خلال مراحل ارتقاء اللغة وتكاملها، وإن لم يطرد في صوره أو يتفق في كل ثلاثي، وأنه جاء على الأصل حين تعاقبت صور المادة فيه على جنس من المعنى لاتحاد حروفها، وحين اختلفت معاني هذه الصور لاختلاف مواقع حروفها، أقول إذا صح هذا في الاشتقاق الكبير فإن القلب قد عري من ذلك البتة. وقد جاء على غير الأصل، وكان النحاة منه على تردد ومن أمره على خلاف. وقد أبطله ابن السكيت وأثبته البصريون ولكن في مشتقات المعاني كما في (جرف هار وهائر) دون الأفعال والمصادر، خلافاً للكوفيين. وكأن مرد القلب إلى تزاحم أحرف الكلمة وتسابقها على اللسان، كما قال العلايلي في مقدمته (٢١٤) . وإذا كانت العربية قد أقرته حيناً كما قال أبو حيان (الهمع – ٢/٢٢٥) فقد أسقطت شيئاً من تصاريفه في الغالب، وبقيت منها بقية تدل عليه. هذا و (هائر) من هار الجرف يهور هوراً فهو هائر. وقد قلب فقيل (هارٍ) ، خفضوه في موضع الرفع. وليس ثمة (هرا) بهذا المعنى فيكون منه (هار) ، وإنما هو مقلوب من (هائر) ، كما كان (شاكي السلاح) مقلوباً من (شائك السلاح) .
وقد قيل في تصغير (هار) هويئر، فردوه إلى أصله لأن هذا تصغير (هائر) . أما تصغير (هار) على لفظه فهو (هوير) لا (هويئر) ، كما قالوا في تصغير (غاز) غويز و (قاض) قويض.