وقد أهدى إلى مجمع اللغة العربية بدمشق نسخة منها وطالب بإعمال النظر فيها والإيعاز في طبعها. ولا أعلم أن المجمع قد فرق له رأي فيما جاء به الباحث، ولعله يفعل ذلك فيعلنه في عدد قادم من مجلته الفصلية.
أقول خلوت إلى الكتاب واستفضلت له شيئاً من وسعي فتصفحت بعض ما فيه وابتغيت معالمه وتلمست سره، فأكبرت جهد الأستاذ وأعظمت ما تكلف في تحقيق مطلبه من صعد، وتحمل في التماس الوسائل إليه من نصَب ورهق. وإذا كنت لم أمل إلى مذهبه أو أنزع إلى مقالته، فلا شكّ أنه أعدّ للأمر عدته وتذرع له بذرائعه وتآدى بأداته. وفي ذلك ما فيه من خدمة العربية. وإنما يستبين خصوص اللغة بكثرة البحث ويتكشف سرها ومكنونها بموالاة الدرس.
ولم يمنعني من متابعة المؤلف ومجاراته أنه قد جنح إلى مذهبه طريف تفرد به فلم ينح فيه نحو أحد من الباحثين فيسلك طريقته ويقفو أثره ويطأ مواضع قدمه، فقد يهدي جهد الباحث، فيما يطلب، إلى ما لم يسبق به حدس، ويقتاد إلى ما لم يسنح في فكر أو يخطر في بال. لكني تدبرت ما جاء به من أدلة، وروأت فيما ساق من حجج وبسط من شواهد، فألفيت فيها موضعاً للقول ومحلاً للنظر، فأردت أن أدلي في ذلك برأيي، استقصاء للبحث في باب يتسع فيه القول وتتشعب وجوهه.
-وطأ المؤلف بادئ الرأي لبحثه فذهب إلى أن في كل لفظ وجهين مجتمعين، فهو من حيث الصوت حركة طبيعية.. ومن حيث المعنى سمة إنسانية. ومن حيث أنه صوت ومعنى يجمع الطبيعة والإنسانية جميعاً (ص/٥) . وكلامه هذا سديد. وقد بسطت القول فيه، في مقال عقدته في المجلة حول نشوء اللغات عامة، ومذهب الأرسوزي فيه خاصة.