للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا خلاف في أن (افتعل) سماعي. فليس لك أن تصوغ (افتعل) من فعل مجرد وتأتي به على ما يوافق هذا الفعل تعدية أو لزوماً. ما لم يرد به سماع.

ومن ثم لحنوا قول القائل (احتار) وتسمح به بعض المحدثين كالشيخ مصطفى الغلايني. وأبيناه نحن حين لم يسنده سماع أو يسعفه قياس معروف.

واجتهد الشيخ ظاهر في (المنهاج السوي) في وضع قياس لـ (افتعل) .

وكان مما اشترطه ضابطاً أن يكون الفعل مما يتعمده العاقل عقلاً أو إرادة. فإذا صح هذا ألزمك القياس أن تمنع (افتعل) من (حار وخشي) ، ومن (سقم ومرض) . إذ لا يتأتى أن يتعمد العاقل فعل هذه الأفعال عادة.

ومما ينبغي استدراكه على هذا الضابط التنبيه على أن القصد بمعنى الفعل دلالته الأصلية، لا ما تشعب عنها أو تفرع عليها. فإذا سأل سائل كيف امتنع (افتعل) من (مرض) وجاء من (عل) فقيل (اعتل) ، أجيب بأن لـ (عل) دلالات ثلاثاً هي التكرار والمتابعة، ثم العائق يشغل صاحبه عن أمره، ثم الضعف والمرض، كما فصَّله صاحب المقاييس. ولكن أي هذه الدلالات الجذر والأرومة؟

جعل الجوهري في صحاحه التكرار والمتابعة الأصل، فقال: (التعليل سقي بعد سقي وجني الثمرة مرة بعد أخرى، وعل الضارب المضروب إذا تابع عليه الضرب) . وأردف: (والعلة المرض وحدث يشغل صاحبه عن وجهه، كأن تلك العلة صارت شغلاً ثانياً منعه عن شغله الأول) وتابع قوله: (واعتل عليه بعد إذا اعتاقه عن أمر) . فإذا اطمأن الأمر على هذا، وكان المعنى الأول هو التكرار والمتابعة، لم يتوجه على الضابط الذي أتى به الشيخ عيب أو نقد.

وأورد الشيخ لاشتقاق (افتعل) ضوابط أخرى، لا يتسع المقام لبسطها. ولا مناص من استقصاء البحث فيها ليقطع في المسألة بيقين حازم.

***

<<  <   >  >>