للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أقول قد عرّف البصريون (الفرع) المشتق بالنسبة إلى (الأصل) المشتق منه فقالوا: (الفرع ما كان فيه ما في الأصل وزيادة) . فإذا سلمنا صحة هذا التعريف فلا بد من تصديق ما بني عليه. لكن هذا التعريف تعريف اسمي قصد به تحديد مفهوم اعتباري، وليس هو تعريفاً حقيقياً بالضرورة. قال الأستاذ الشيخ حسين والي عضو المجمع القاهري في الجزء الثاني من مجلة المجمع (رجحوا ما رأى أهل البصرة.. بحجة أن شأن الفرع أن يكون فيه ما في الأصل وزيادة، وهي أقوى ما عندهم من الحجج، مع أنه لا يقوم برهان يؤيدها..) وقال: (وأما من ناحية العمل فالفعل أصل بالاتفاق) .

وقد جاء في حاشية الصبان على شرح الأشموني على ألفية ابن مالك أن من الأئمة من ناقش قول البصريين في تضمن الفرع الزيادة على الأصل فقالوا: لا برهان يقتضي ذلك (٤/٢٥٠) .

على أننا إذا اعتددنا (الأصل) هو ما سبق تصوره وقيامه في الذهن، فقد عرّفناه تعريفاً أليق بالواقع اللغوي وأكثر مواءمة له. وإذا كان المدرك الحسّي أسبق إلى الذهن من المدرك المعنوي، وأجناس الأعيان أسبق من أجناس المعاني ومنها المصادر، فالمصدر الدال على العموم والجنس والمطلق لا يتصور قبل تصور ما يتناوله من الفعل والمشتقات تناولاً واحداً. وما صح أنه الأسبق هو الأصل.

وقد أشار الكوفيون على نحو من هذا فقالوا إن المصدر لا يتصور معناه ما لم يكن فعل فاعل. والفعل وضع له: فعل يفعل، فينبغي أن يكون الفعل الذي يعرف به المصدر أصلاً للمصدر.

وبحث الدكتور مصطفى جواد عضو المجمع العلمي العراقي المسألة في كتابه (دراسات في فلسفة اللغة والنحو والصرف) . وقد أخذ بمذهب الكوفيين.

واستدل على صحة المذهب بثلاثة عشر دليلاً، ثم قال: (هذه ثلاثة عشر دليلاً تنتقض دعوى سيبويه أن الفعل صادر عن المصدر، وهي أدلة نحن اهتدينا إليها، ولم يقف عليها الكوفيون وغيرهم) .

<<  <   >  >>