للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذلك لقصور مقاييسهم التي اتخذوها عياراً من جهة وتعسر الحكم في تنقل الألفاظ بين اللغات، وخفاء أعلامه في دورانها بين لغات من فصيلة واحدة من جهة أخرى. فقد كان لا بد من تمكنهم من اللغات التي عزوا إليها، وإطلاعهم على أصولها اللغوية وتتبع هجراتها التاريخية واشتباك الصلات بين شعوبها وتمازج ثقافاتهم، وأثر ذلك كله في ثراء لغاتهم وتناميها.

قال الأستاذ عبد المجيد عابدين في كتابه (بين الحبشة والعرب/ ٩٨) :

(فقد أورد السيوطي في الإتقان باباً ذكر فيه ما ورد في القرآن من الألفاظ بغير لغة العرب. ذكر منها قرابة ستة وعشرين لفظاً أرجعها إلى اللغة الحبشية ولكن أكثرها لم يثبت اشتقاقه منها) .

ولا يخفى أنه كان بين السامية الحبشية والعربية الجنوبية وشائج شابكة، ولا ننس أن السكان الساميين في الحبشة إنما كانوا من عرب الجنوب. وأول لغة تكلم بها هؤلاء اللغة الجعزية لغة قبائل الأجاعز. وهم أقدم من سكن الحبشة من أهل اليمن. ثم غلب على هذه، اللغة الأمهرية. وقد سميت بلادهم بالحبشة. و (حبشت) اسم قبيلة من قبائل عرب الجنوب وافت البلاد وسكنت أجزاءها الشمالية.

وهذه أمثلة على طريقة الحكم على عجمة اللفظ: فقد ذهب الجواليقي في المعرب (٣٠) إلى أن (الأبيل) ومعناه الراهب، فارسي معرب. لكنه لم يذكر أصله أو يستدل على عجمته بدليل. وحكاه عنه الخفاجي في الشفاء ولم يزد على ما قاله الجواليقي. ويتجه لي أن اللفظ عربي. فابن دريد ذكره في الجمهرة ولم يشر إلى أنه دخيل (١/٣٢٤) ، وكذلك فعل صاحب المقاييس والجوهري في صحاحه. أما الزمخشري فقد ذكر أصله حين قال: (وقد أبل أبالة فهو أبيل، كما تقول فقه فقاهة فهو فقيه، وكذلك فعل صاحب النهاية.

<<  <   >  >>