وقد طال كلام الأيمة على (سفِه نفسَه) لا ليبينوا أن (نفسَه) في الآية قد جاء على النصب، كما ذهب إليه جواد، فهذا واضح لكل ذي عينين، ولكن ليذكروا علة هذا النصب والمعنى الذي استوجبه واقتضاه. وقد ساقوا في هذا وجوهاً كثيرة؛ منها أنه منصوب على حذف الجار، كما أسلفنا، أو منصوب لأنه مفعول به حقاً فسفه فعل متعد كجهل، ومعنى الآية (إلا من جهل نفسه) ومنها أنه منصوب على التفسير أي التمييز، وأنكره البصريون لاشتراطهم التنكر فيه، أو أنه على تضمين (سَفِهَ) اللازم معنى فعل متعد. وقد جاء كل هذا في التهذيب للأزهري. وأضاف أبو حيان في سفره الضخم البحر المحيط فقال (أو أنه شبيه بالمفعول به) . قال صاحب المصباح:(وسفُه يسفُه بالضم، فإن ضمن معنى التعدي كسر، وقيل سفِه زيدٌ رأيه بالنصب، والأصل سفه رأي زيد، لكن لما أسند الفعل إلى الشخص نُصبَ ما كان فاعلاً، ومثله ضقت به ذرعاً ورشدت أمرَك، والأصل ضاق به ذرعُه ورشد أمرُه. ونصبه قيل على التمييز ولا معرفة في معنى النكرة، وقيل على التشبيه بالمفعول، وقيل على نزع الخافض، والأصل رشدت في أمرك لأن التمييز عند البصريين، لا يكون إلا نكرة محضة) .
فما الذي يعنيه كل هذا ويُعرب عنه؟ أليس يسفر عن أن النحاة قد توفروا على بحث هذه الأفعال، وعكفوا على تدبرها والتلطف في الكشف عن تصرفها، وأن آراءهم قد اختلفت اختلاف ما تصوّروه من تشعب معانيها، وأنه عناهم من أمرها فوق ما عنى الأستاذ جواداً، ولو أنهم لم يقصروا اهتمامهم على تحول المعنى، وإنما غادروه إلى ما اتخذوه من أساليب الصناعة في تمثل الكثير من وجوه إعرابها وصور تخريجها؟
ويقول الأستاذ جواد (وقولهم سفِه نفسَه وغَبنَ رأيه ورشد أمره، إنما هي متعدية تعدياً لفظياً، وذلك بدلالة جواز قولك: سَفَهت نفسُه وغبنَ رأيه ورشد أمره، برفع هذه الأسماء على الفاعلية، فمن المحال أن يكون المفعول به الحقيقي فاعلاً ومفعولاً في جملة واحدة) .