وانظر إلى تدرج معنى (تفقد) ، فقد جاء في معجم الأخطاء الشائعة للأستاذ محمد العدناني أن قول القائل (تفقد مزرعته) خطأ..، صوابه (زارها ودرس أحوالها) لأن تفقد معناه (طلب الشيء عند الغيبة) . ثم استدرك فأدرك ما أتى به المعجم الوسيط (تفقد أحوال القوم ودقق النظر فيها ليعرفها حق المعرفة) ، وقال (وأنا أؤيده على أن يفوز بموافقة المجمع) ! أقول إذا كان أصل (التفقد) تطلب الشيء عند الفقد، فقد تجاوز الفعل هذا المعنى إلى تتبع الشيء وتعرّف أحواله، ثم تعدى هذا إلى متابعة النظر في كل ما يستقيم به حال الشيء أو الشخص الذي تتفقده. فقد جاء في مفردات الراغب (التفقد التعهد، ولكن حقيقة التفقد تعرّف فقدان الشيء) ، وهذا يعني أن أصل التفقد تعرّف الفقدان لكنه آل بالمجاز إلى التعهد أو إلى ما انتهى إليه التعهد. ففي المصباح (وتعهدت الشيء ترددت إليه وأصلحته، وحقيقته تجديد العهد به، وتعهدته حفظته) .
وقد جاء في نهج البلاغة (ثم تفقد من أمورهم ما يتفقد الوالدان من ولدهما -٣/١٠٢) و (تفقد أمر الخراج بما يصلح أهله –٣/١٠٦) ، وقول ابن قتيبة في أدب الكاتب (فإن رأيت الكتاب قد تركوا تفقد هذا من أنفسهم..) ، وقول أبي حيان في البحر (١٠/٦٤) : في قوله تفقد الطير –أي قوله تعالى: وتفقَّد الطير –النمل/ ٢٠- دلالة على تفقد الإمام أحوال رعيته والمحافظة عليهم) .
وهكذا صح (التفقد) في التعبير عن الرعاية والتربية والعناية والبر. قال المرزوقي (لم أزل أجري في تربيته وتفقده) إلى أن استكمل شبابه /٧٥٧) وقال (لحسن توفره وجميل تفقده لأصحابه /٩٢٣) ، وقال (واستصلاح الرعية وتفقد مصالحهم /١٠٩١) .