للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيتضح بما قدمنا وفصّلنا القول فيه أن لا وجه لجمود المعنى في اللفظ كما يبدو ذلك حيناً في كثير من المعاجم العربية، وإن اعتماد كثير من المحدثين على ظاهر النص والتعويل عليه في التخطئة والتصويب مخالف لأصول ارتقاء اللغة وسنن تحول معانيها وطرائق تعبيرها بتحول العصور والأجيال. ولو كانت تؤلف في العربية معاجم حديثة على مثال ما يؤلف في اللغات الحية الأخرى، دقة وأحكاماً واستقصاء لأنست بالتجدد والتدرج والتوالد في معاني الكلم، ولمست بمعارضة النصوص المحكية بعضها ببعض ترجمة لحياة كل كلمة تظهرك على قصة حالها وتقفك على مسالك تحولها ودروب تنقلها والتدرج بها حالاً بعد حال. وأنت لو لم تطف بمراحل التقلب جفا عليك وجه الاعتداد به البتة. يقول العالم النفسي السوفييتي ل. س.فيجوتسكي المتوفى عام ١٩٣٤، أنه لا سبيل إلى احتساب معنى الكلمة أمراً ثابتاً، بل لابد من تصوره في نمو مطرد وتحول مستمر دائب (٤) . والبحث في تاريخ معاني الكلم وأصول اشتقاقها موضوع شائق له في اللغات الحية الأخرى شأن أي شأن. وأحوج ما يكون إليه المشتغلون بتاريخ الأدب وفقه اللغات. وليست معالجة هذه المسألة في العربية وتدارك ما فات من أمرها بعدما كان من الإغفال، على شيء من اليسر والسهولة. ولا ننسَ ما انتحاه المستشرق الأستاذ فيشر وقد أمضى أكثر عمره (بين سنة ١٩٠٧ و ١٩٥٠م) في إعداد معجم تاريخي للغة الآداب العربية حتى نهاية القرن الثالث الهجري، أي حتى منتهى ما وصلت إليه اللغة الفصحى من الكمال كما يقول، فلم يخلّف بعد جهد جاهد ونصب ناصب وطول عناء، غير جذاذات لهذا الذي بذل الطوق في إعداده. ولابد أن تضطلع المجامع اللغوية باستتمامه واستفراغ الوسع في إصداره فلا تدخر دون ذلك سعياً. ولكن هل يمم أئمتنا قديماً مثل هذا السمت من البحث وحاولوا ارتياده والجري على منهاجه؟ أقول لاشك أن كتاب (الزينة) قد استن بهذه السنة ونهج هذا السبيل فإن به لوناً طريفاً من ألوان

<<  <   >  >>