وثمة (تساءل) ، فهو في الأصل من أفعال المشاركة، إذا جاء في الصحاح:"وتساءلوا سأل بعضهم بعضاً"، وفي الأساس:"وساءلته عنه مساءلة وتساءلوا عنه"، فدل النص على أن تساءل من أفعال المشاركة. ولكن ألا يأتي (تساءل) لغير المشاركة فيصح إسناده إلى واحد؟.. أقول جاء في الكشاف للزمخشري في تفسير قوله تعالى: ?عمَّ يتساءلون عن النبأ العظيم? [النبأ ـ ١] .: "يتساءلون يسأل بعضهم بعضاً، أو يتساءلون غيرهم عن رسول الله (?) والمؤمنين نحو يتداعونهم ويتراءونهم". فقوله: يتساءلون يسأل بعضهم بعضاً، يعني أن الفعل للمشاركة، لكن قوله يتساءلون غيره عن رسول الله يعني أن الفعل لغير المشاركة. وذكر ذلك الإمام البيضاوي في تفسيره (أنوار التنزيل وأسرار التأويل) ، فقال:"كقولهم يتداعونهم ويتراءونهم، أي يدعونهم ويرونهم".
وبذلك صح أن يكون (يتساءلونه عنه) بمنزلة (يسألونه عنه) . فإذا استقام هذا استقام قول الكتاب (تساءل الرجل عن كذا) ، إذا سأل عنه، بحذف المسؤول، وهو المفعول هنا، وهكذا يكون (تساءل) للمشاركة وسواها.
ونحو ذلك (تعارف) فهو من أفعال المشاركة، على ماهو المشهور. قال تعالى: ?يا أيها الناس إنَّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائلَ لتعارفوا?، [الحجرات ـ ١٣] . قال: البيضاوي: "لتعارفوا: ليعرف بعضكم بعضاً"، فتأكد بذلك أن الفعل لازم وأنه من أفعال المشاركة. ولكن جاء في كلام الفصحاء (تعارفوا الشيء) إذا عرفوه. ففي الصحاح (مادة وقى) : "وأما اليوم فما يتعارفه الناس ويقدر عليه الأطباء فالأوقية عندهم عشرة دراهم". فقد عدَّى الفعل فقال ليتعارفه الناس) . وجاء في مفردات الراغب الأصبهاني (ضاف) : وصارت الضيافة متعارفة في القرى". فقولهم (متعارفة) كقولهم (متداولة) ، فثبت بهذا أن (تعارف) لازم إذا كان من أفعال المشاركة، ومتعد إذا كان من سواها. كما ثبت أنه لا حجة لقول الكتاب (هذه عادات متعارف عليها) . فالصواب (متعارفة) .