وهكذا أجاز ابن بري أن يكون (استوى) في المثل (استوى الماء والخشبة) من أفعال المشاركة، وقد صح أن يؤتى بعده بـ (مع) لأنها بمنزلة واو المصاحبة، وهكذا صح أن يؤتى بـ (مع) بعد أفعال المشاركة عامة، كما صح أن يؤتى بواو المفعول معه، وجاز بذلك قولك اختصم فلان مع فلان وتخاصم زيد مع عمرو وتشاجر خالد مع زيد، وعلى هذا ماجاء في خزانة الأدب للبغدادي (١/١٢٢) ، إذ قال:"روى المرزباني ... أن الوليد بن عبد الملك تشاجر مع أخيه مسلمة في شعر امرئ القيس والنابغة...."، وما جاء في المستطرف في كل شيء مستظرف للأبشيهي:"وتخاصم بدوي مع حاج عند منصرف الناس.."، ولكن ما الذي حمل الكتَّاب في عصرنا أن يؤثروا استعمال (مع) في هذا الموضع على (الواو) العاطفة؟ فهل ثمة حاجة استدرجتهم إليه في التعبير فجرت به أقلامهم؟ ...
أقول إذا قلت (ضارب زيد خالداً) ، فقد جرت المضاربة بينهما وكان كل منهما ضارباً ومضروباً، ولكن فُهم إلى ذلك شيء آخر وهو أن زيداً هو المعني بالضرب فهو البادئ به. أما إذا قلت (تضارب زيد وخالد) ، فقد فهم منه ما فهم في المثال الأول من حدوث المضاربة ولكن لم يعلم من هو المعني البادئ بالخصومة. فإذا قلت (تضارب زيد مع خالد) ، فهم أن زيداً هو المعني.
وقد يضطر العلماء أن يخصوا أحد المتشاركين في الحدث فيشيروا إلى أنه هو المعني المقصود. فإذا قالوا:(اتحد الكبريت ومادة كذا) ، لم يفهم من كلامهم أن المعني بالموضوع هو الكبريت دون المواد الأخرى، فإذا قالوا (اتحد الكبريت مع كذا) ، فهم أن مدار البحث هو الكبريت، وهكذا شاع على ألسنة الأئمة قولهم اشترك فلان بدلاً من اشترك فلان وفلان قصد الإشارة في كلامهم إلى أن المعني هو الأول.