للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يشير بذلك إلى ما رواه الشيخان من حديث ابن عباس قال: (لما اشتد بالنبي وجعه، قال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده، قال عمر: إن النبي غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا، فاختلفوا، وكثر اللغط، قال: قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع). (١)

وقد ذكره الرافضي بنصه في موضع آخر سيأتي قريباً مستدلاً به على طعنه في الصحابة، ولذا أؤجل الرد عليه في ذلك، وتوجيه الحديث إلى موطنه الذي ذكره فيه، وأقتصر الآن في الرد على الشبهة التي أثارها هنا، وهو زعمه أن اختلافهم هذا هو الذي حرم الأمة الإسلامية من العصمة ورماها في الضلالة والتفرق إلى قيام الساعة.

والجواب على هذا: إن قوله هذا باطل، وهو يعني أن الرسول قد ترك تبليغ أمته ما فيه عصمتها من الضلال، ولم يبلغ شرع ربه لمجرد اختلاف أصحابه عنده حتى مات على ذلك، وأنه بهذا مخالف لأمر ربه في قوله: ﴿يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما

بلغت رسالته والله يعصمك من الناس﴾. (٢)

وإذا كان الرسول مبرأً من ذلك ومنزهاً بتزكية ربه له في قوله: ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عَنِتُّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم﴾ (٣)

فوصفه بالحرص على أمته: أي على هدايتهم، ووصول النفع الدنيوي والأخروي لهم، ذكره ابن كثير في تفسيره (٤):

وإذا كان هذا الأمر معلوماً بالاضطرار من دين الإسلام عند الخاص والعام، لايشك فيه من في قلبه أدنى مثقال ذرة من إيمان، أن هذا الرسول


(١) أخرجه البخاري في: (كتاب العلم، باب كتابة العلم) فتح الباري ١/ ٢٠٨، ح ١١٤. ومسلم: (كتاب الوصية، باب ترك الوصية لمن ليس له شئ يوصي فيه) ٣/ ١٢٥٩.
(٢) سورة المائدة ٦٧.
(٣) سورة التوبة ١٢٨.
(٤) انظر تفسير ابن كثير ٢/ ٤٠٤.

<<  <   >  >>