للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونظير هذا ما وقع لهم في غزوة الفتح من أمره لهم بالفطر في رمضان، فلما استمروا على الامتناع، تناول القدح فشرب، فلما رأوه شرب شربوا». (١)

وهذا الوجه حسن، وهو اللائق بمقام أصحاب النبي ، فإنهم

كانوا على قدر كبير من تعظيم الإحرام والحرص على إكمال النسك، فلما أمرهم النبي بالتحلل ولم يفعل، ظنوا أن الذي حمله على هذا هو الشفقة عليهم، كما كانت سيرته معهم، فكأنهم آثروا التأسي به على ما رخص لهم فيه من التحلل، ثم لما رأوه قد تحلل أيقنوا أن هذا هو الأفضل في حقهم، فبادروا إليه، وهذا مثل ما حصل منهم في الحج مع النبي لما بلغوا مكة وطافوا وسعوا أمرهم أن يحلوا، وأن يصيبوا النساء ويجعلوها عمرة، فكبر ذلك عليهم لتعظيمهم لنسكهم، وقالوا: نذهب إلى عرفة ومذاكيرنا تقطر من المني، فلما علم بذلك الرسول وكان لم يتحلل، قال لهم: (أيها الناس أحلوا فلولا الهدى الذي معى فعلت كما فعلتم) قال جابر راوي الحديث: فحللنا وسمعنا وأطعنا. (٢)

وهذا كله من حرص أصحاب رسول الله على الخير والرغبة في التأسي برسول الله التأسي الكامل. فرضي الله عنهم أجمعين.

وبهذا تظهر الوجهة الصحيحة لمواقف الصحابة الجليلة في هذه الغزوة المباركة، التي ازدادوا بها رفعة عند الله، وسبقاً في دينه، ومحبة في قلوب المؤمنين.

فإن أبى الرافضي قبول ذلك استكباراً وعناداً، وظلماً وطغياناً وأصر على ما هو عليه من الكذب والتدليس، فإني أورد هنا عدة أوجه فيها إلزامه وفضيحته، ودحض شبهته بحول الله وقوته وهي:


(١) فتح الباري ٥/ ٣٤٧.
(٢) ملخصاً من حديث جابر بن عبد الله الذي رواه البخاري في (كتاب الاعتصام، باب نهي النبي على التحريم إلا ما تعرف إباحته) فتح الباري ١٣/ ٣٣٧، ح ٧٣٦٧، ومسلم (كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام .. ) ٢/ ٨٨٣ - ٨٨٤، ح ١٢١٦.

<<  <   >  >>