للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال القرطبي معلقاً على وصف ضرار الصُّدَائي لعلي وثنائه عليه بحضور معاوية، وبكاء معاوية من ذلك، وتصديقه لضرار فيما قال (١): «وهذا الحديث يدل على معرفة معاوية بفضل علي ومنزلته، وعظيم حقه، ومكانته، وعند ذلك يبعد على معاوية أن يصرح بلعنه وسبّه، لما كان معاوية موصوفاً به من العقل والدين، والحلم وكرم الأخلاق وما يروى عنه من ذلك فأكثره كذب لا يصح، وأصح ما فيها قوله لسعد بن أبي وقاص: ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟ وهذا ليس بتصريح بالسب، وإنما هو سؤال عن سبب امتناعه ليستخرج من عنده من ذلك، أو من نقيضه، كما قد ظهر من جوابه، ولما سمع ذلك معاوية سكت وأذعن، وعرف الحق

لمستحقه). (٢)

والذي يظهر لي في هذا والله أعلم: أن معاوية إنما قال ذلك على سبيل المداعبة لسعد، وأراد من ذلك استظهار بعض فضائل علي فإن معاوية كان رجلاً فطناً ذكياً، يحب مطارحة الرجال واستخراج ما عندهم، فأراد أن يعرف ما عند سعد في علي فألقى سؤاله بهذا الأسلوب المثير. وهذا مثل قوله لابن عباس: (أنت على ملة علي؟ فقال له ابن عباس ولا على ملة عثمان، أنا على ملة رسول الله ). (٣) فظاهر أن قول معاوية هنا لابن عباس جاء على سبيل المداعبة، فكذلك قوله لسعد هو من هذا الباب، وأما ما ادعى الرافضي من الأمر بالسب فحاشا معاوية أن يصدر منه مثل ذلك والمانع من هذا عدة أمور:

الأول: أن معاوية نفسه ما كان يسب علياً كما تقدم حتى يأمر غيره بسبه، بل كان معظماً له، معترفاً له بالفضل والسبق إلى الإسلام، كما دلت على ذلك أقواله الثابتة عنه.


(١) تقدم تخريج هذا الخبر ونقل طرف منه ص ٢٤٧ - ٢٤٨.
(٢) المفهم للقرطبي ٦/ ٢٧٨.
(٣) أخرجه ابن بطة في الإبانة الكبرى ١/ ٣٥٥، والصغرى ص ١٤٥، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة ١/ ٩٤.

<<  <   >  >>