للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وغيرهم (١)، والمسلم قبل ذلك لايدري هل يبشر بهذا أم لا، فهو دائماً خائف وجل، لايعلم بم يختم له، وخوف الشيخين من ربهما أمر طبيعي، بل هو اللائق بهما لكمال علمهما بالله ومعرفتهما به، والله يقول: ﴿إنما يخشى الله من عباده العلماء﴾ (٢) ولايشكل على هذا بشارة النبي للشيخين بالجنة فإن

الخوف من الله من أخص صفات المؤمنين الراسخة في قلوبهم، التي لا ترتفع بشيء ولايستطيعون دفعها، بل كلما ازداد العبد إيماناً وعلماً وطاعة لله ازداد خوفاً، ولهذا كان النبي أخشى الأمة لله كما أخبر بذلك عن نفسه وأقسم عليه في قوله: (أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له) (٣)، وهكذا حال أنبياء الله كما أخبر الله عنهم في قوله: ﴿أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً﴾ (٤) فإذا كان النبي أعظم خشية لله من الشيخين وسائر الأمة، وكذلك أنبياء الله هم أعظم خشية لله منهما بلاشك، فأي لوم عليهما في ذلك، وإذا كان المؤلف يرى بفهمه السقيم أن الواجب على المؤمن أن لا يخاف لأنه مبشر من الله بالجنة، ويقدح في الشيخين- بالخوف، فإن أولى الناس بعدم الخوف لو كان ما ادعاه صحيحاً هم رسل الله الذين اصطفاهم الله برسالته، ووعدهم بأعلى الدرجات في الجنة.

الوجه الخامس: أنه ظاهر أن الحامل للشيخين على ما قالا هو شدة خوفهما من الله، والخوف من الله من الصفات الفاضلة الممدوح بها باتفاق العقلاء، كما أن عدم الخوف من الله من الصفات الرذيلة المذموم بها عند العقلاء، ولهذا يصف الناس من أرادوا مدحه بقولهم: (فلان يخاف الله)


(١) انظر: تفسير الطبري ١١/ ١٠٨، وتفسير ابن كثير ٤/ ٩٩.
(٢) سورة فاطر أية ٢٨.
(٣) أخرجه البخاري في: (كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح) فتح الباري ٩/ ١٠٤، ح ٥٠٦٣، ومسلم: (كتاب النكاح، باب استحباب النكاح) ٢/ ١٠٢٠، ح ١٤٠١.
(٤) سورة مريم آية ٥٨.

<<  <   >  >>