للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رسول الله كان يستشير أصحابه: كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وأهل الرأي منهم، استجابة لأمر ربه ﴿وشاورهم في الأمر﴾ (١) ومعلوم أن هؤلاء الصحابة لا يقاسون قطعاً برسول الله في الفضل والعلم، وكذلك كان أبو بكر يشاور عمر وبعض الصحابة، وهو أفضل منهم وأعلم، بل كان علي يشاور من هو دونه في الفضل كابنه الحسن، وابن عباس وغيرهم، وهو أفضل وأعلم بالدين منهم.

وقول الرافضي إن علياً ما كان يرجع إلى أحد منهم فإن كان يقصد أبا بكر وعمر وعثمان، فما كان علي مدة حياتهم من أهل الولاية حتى يحتاج إلى مشورتهم، بل كانوا هم الخلفاء الذين ينظرون في أمر الأمة، فهم الذين يستشيرون الناس ولا يستشارون.

وأما إن كان يقصد: أن علياً ما كان يستشير أحداً من الصحابة مطلقاً، ولا يرجع إليهم، فهذا من أكبر الكذب عليه، فمشاورته بعض الصحابة في فترة خلافته مشهورة معروفة في كتب التأريخ، لا يمكن أن تنكر كمشاورته ابن عباس في إقرار عمال الأمصار الذين كانوا قبله أو عزلهم، فأشار عليه ابن عباس أن يقرهم، وأشار عليه أبو بكرة أن يولي ابن عباس البصرة ففعل، واستشار الناس

بعد موقعة الجمل هل يدخل الشام بمن معه من الجند؟ أم يبعث جنداً ولا يخرج بنفسه؟ فأشار عليه قوم بهذا، وآخرون بهذا، فخرج بنفسه في الجند (٢) ، وأمثله ذلك من سيرته كثيرة يصعب حصرها، وهي تدل على رجوع علي إلى من كان معه من الصحابة وغيرهم من أهل الرأي في المشورة.

مما يدل على كذب الرافضي فيما ادعاه. على أنه لو ثبت عدم مشاورته لأصحابه لماكان ذلك مدحاً في حقه، بل يعد عيباً ونقصاً، وذلك أن الرجوع لأهل الرأي ومشورتهم من الخصال الفاضلة الممدوح بها في الدين والعقل، وقد امتدح الله تعالى المؤمنين في قوله: ﴿وأمرهم شورى


(١) سورة آل عمران من الآية ١٥٩.
(٢) انظر: البداية والنهاية لابن كثير ٧/٢٣٩-٢٥٦-٢٦٥.

<<  <   >  >>