للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكن ليس هذا من خصائص علي بل قال النبي مثل

ذلك لغيره كما تقدم بيانه. (١)

وأما قوله: (لا يؤدي عني إلا علي) فمع عدم ثبوت سنده -كما تقدم- فهو معارض لأصل عظيم من أصول الدين وهو وجوب نشر العلم، والتبليغ عن الرسول في حق كل من سمع منه شيئاً من العلم أو بلغه عنه، من غير حصر في أحد كما دل على هذا حديث جبير بن مطعم المشهور أن النبي قام بالخيف من منى فقال: (نَضَّرَ الله امْرأً سمع مقالتي فبلغها فرب حامل فقه غير فقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه). (٢)

وفي الصحيحين من حديث أبي بكرة أن النبي خطبهم يوم النحر، ثم قال بعد أن ذكر تعظيم حرمة الدماء والأموال والأعراض (ليبلغ الشاهد الغائب، فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى منه) (٣)، فرغّب النبي في هذا المشهد العظيم أمته أن تبلغ عنه،

وتؤدي ما سمعت منه، وبين أن البلاغ عنه ليس من شرطه الفقه، بل متى ما حصل الضبط والحفظ جاز للسامع البلاغ، فكيف بكبار الصحابة الذين هم أهل العلم والفقه، وقدوة الناس في الدين، فهم أولى الناس بالبلاغ عنه، ولهذا بلغ أصحابه عنه الأحاديث، ونقلوا سنته للأمة في حياته، وبعدمماته، ولم يكن ذلك محصوراً في عدد معروف منهم، وإنما كان يبلغ عنه كل من سمع منه، ممن لا يحصي عددهم إلا الله، فكيف يتصور بعد هذا أن يجعل النبي البلاغ عنه محصوراً في علي دون غيره من الصحابة!! إن هذا مما يأباه الدين ويرده الواقع.


(١) انظر: ص ٤٩٤ من هذا الكتاب.
(٢) أخرجه الترمذي في: (كتاب العلم، باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع) ٥/ ٣٣ - ٣٤، وابن ماجه في: (المقدمة، باب من بلّغ علما) ١/ ٨٥، وقد صححه الألباني في صحيح ابن ماجه ١/ ٤٥.
(٣) أخرجه البخاري في: (كتاب العلم، باب قول النبي ليبلغ الشاهد الغائب)، فتح الباري ١/ ١٥٧، ١٥٨، ح ٦٧، ومسلم: (كتاب القسامة، باب تغليظ تحريم الدماء) ٣/ ١٣٠٦، ح ١٦٧٩.

<<  <   >  >>