قد ذكر الحكماء لذات الإنسان وقواها مثالاً صوَّرها بها، فيتمثل كل ما لا يدرك إلا بالعقل بتصور الحس ليقرب من الفهم، فقالوا: ذات الإنسان لما كان عالماً صغيراً كما تقدم جرى مجرى بلد أحكم بناؤه، وشيد بنيانه، وحُصّن سوره، وخُطَّت شوارعه، وقسمت محاله وعُمرت بالسكان دوره، وسلكت سبله،، اجريت أنهاره، وفتحت أسواقه، واستعملت صناعه، وجعل فيه ملك مدبر، وللملك وزير وصاحب بريد وأصحاب أخبار وخازن وترجمان وكاتب وفي البلد أخيار وأشرار. فصناعها هي القوى السبعة التي يقال لها الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة والنامية والغاذية والمصورة والملك العقل ومنبعه من القلب. والوزير القوة المفكرة ومسكنها وسط الدماغ. وصاحب البريد القوة المتخيلة ومسكنها مقدم الدماغ. وأصحاب الأخبار الحواس الخمس ومسكنها الأعضاء