الإنسان قد جمع فيه قوى العالم، وأوجد بعد وجود الأشياء التي جمعت فيه، وعلى هذا نبه الله تعالى بقوله:(الذي أحسن كل شيءٍ خَلْقَه وبدأَ خَلق الإنسان من طين) . وقول النبي صلى الله عليه وسلم الذي تقدم ذكره. وقد جمع الله تعالى في الإنسان قوى بسائط العالم ومركباته وروحانياته وجسمانياته ومبدعاته ومكوّناته. فالإنسان من حيث أنه بوساطة العالم حصل ومن أركانه وقواه أوجد هو العالم. ومن حيث أنه صغُر شكله وجمع فيه قواه كالمختصر من العالم فإن المختصر من الكتاب هو الذي قُلّل لفظه، وأستوفي معناه. والإنسان هكذا هو إذا اعتبر بالعالم. ومن حيث أنه جعل من صفوة العالم ولبابه وخلاصته وثمرته، فهو كالزُبْد من المخيض والدهن من السمسم، فما من شيءٍ إلا والإنسان يشبهه من وجه، فإنه كالأركان من حيث ما فيه من الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، وكالمعادن من حيث ما هو