الاستصلاح للأفعال التي خلق الإنسان لأجلها مستخلفاً في الأرض مستعمراً فيها.
[فصل]
اعلم من هاجر إلى الله وجاهد في سبيله فحقيق أن يهديه إلى سبيله كما وعد في قوله تعالى:(والذين جاهدوا فينا لنهديّنهم سبلنا) . وقال:(والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا ... إلى قوله: أولئك هم المؤمنون حقاً) . والهجرة العظمى هجران فضول الشهوات والمجاهدة الكبرى مدافعة الهوى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" جهادك في هواك ". فمن هدي إلى سبيله وأمعن في مسيره مسارعاً في الخيرات ومسابقاً إلى مغفرة ربه فحقيق أن يصير من الإبدال، ومعنى الإبدال هم الذين يبّدلون من أخلاقهم وأفعالهم الذميمة أخلاقاً وأفعالاً حميدة، فيجعلون بدل الجهل العلم وبدل الشح الجود وبدل الشره العفة وبدل الظلم العدالة وبدل الطيش التؤَدة وعلى ذلك دل قوله تعالى:(والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق إلى قوله: يبدّل الله سيئاتهم حسنات) . والإنسان إذا صار من الإبدال فقد ارتقى إلى درجة الأحباب الذين عناهم الله تعالى بقوله:(فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونهم) . فجعله مهيباً في البشر، معظم القدر عند كل واحد، بل قد يبلغ مبلغاً تخضع له البهائم والسباع والوحوش والحشرات كخضوعها لسليمان بن داود عليهما السشلام، ويصير الحديد له ليِّناً كما لان لنبيه داود عليه السلام، وتصير النار له إذا خاضها برداً وسلاماً