ولا يستحسرون، وإيجاد هذه الأشياء على سبيل الإبداع. والإبداع هو إيجاد الشيء لا عن شيءٍ موجود من قبل. ثم خلق الأركان الأربعة والجمادات والناميات والحيوانات، وختم بالصورة الإنسانية كما دل عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:" خلق الله تعالى يوم الأحد كذا ويوم الاثنين كذا إلى أن قال خلق الإنسان يوم الجمعة آخر نهار ". والخلق في أكثر الأحوال يقال في إيجاد الشيءِ من الشيءِ قبله كخلق الإنسان من التراب، ويقتضي تركيباً ولذلك قال اله تعالى:(ومن كل شيءٍ خَلَقنا زوجين لعلكم تذكَّرون) . وإلى الأشياء المركَّبة أشار بقوله تعالى:(أو لم يروا إلى الأَرضِ كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم) . واعلم أن كل شيءٍ من المبدعات فتامٌّ لا نقص فيه، ولو كان فيه نقص لدل ذلك على نقصان مبدعه وصانعه، فأَما المخلوق الذي هو مركب من شيء فقد يحتمل أن يكون فيه نقص ويكون نقصه عارضاً من جهة ما تركب منه لا من جهة مركِبه وفاعله، فلهذا صارت المبدعات من الأشياء العلوية معرّاة عن اعتراض الفساد فيها حالاً فحالاً، بل تبقى على حالتها إلى أن يشاء الله تعالى أن يرفع العالم.
والإنسان إنسانان: أحدهما آدم الذي هو أبو البشر، ويجري هو من سائر الناس مجرى البَذر الذي منه أنشئ غيره، والباري تعالى قد تولى بنفسه إيجاده وتربيته وتعليمه كما نبَّه عليه بقوله تعالى:(ما منعك أن تسجد لما خلقتُ بيديَّ) . وقوله تعالى:(وَعلَّم آدم الأسماءَ كلَّها) والثاني بنوه وموجدهم أيضاً الباري تعالى، ولكن جعل