للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وأخرج ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (٦٢/ ٤١٤) من طريق محمد بن عمرو بن إسحاق بن زبر الحمصي، أخبرنا أبي، حدَّثنا وحشي بن إسحاق بن وحشي بن حرب بن وحشي، حدَّثني أبي إسحاق، عن أبيه وحشي، عن أبيه حرب بن وحشي، عن أبيه وحشي بن حرب: «أنه وفد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في اثنين وسبعين رجلًا من الحبشة، وأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قَوَّدني عليهم، وعقد لي راية صفراء ذراعين في ذراعين، وفيها هلال أبيض وعذبتان سوداوان وبينهما عذبة بيضاء ... » الحديث.

وإسناده مظلم؛ من ابن زبر إلى ابن وحشي بن حرب مجاهيل.

قال عبد الحي الكتاني في «التراتيب الإدارية» (١/ ٣٢٠) موجِّها اتخاذ الهلال شعارًا للمسلمين من خلال هذا الخبر؛ فقال:

«يُؤخذ من هذا أصل رسم صورة الهلال في الراية الإسلامية، وبذلك تعلم ما وقع لصاحب «وفيات الأسلاف»؛ فإنه قال في (ص ٣٨٠): أنَّ وضع رسم صورة الهلال على رؤوس منارات المساجد بدعة، وإنَّما يتداول ملوك الدولة العثمانية رسم الهلال علامة رسميَّة أخذًا من القياصرة، وأصله أنَّ قيليش المقدوني والد الإسكندر الأكبر لما هاجم بعسكره على بزنطية -وهي القسطنطينية- في بعض الليالي؛ دافعه أهلها، وغلبوا عليه، وطردوه عن البلد، وصادف ذلك وقت السحر، فتفاءلوا به واتَّخذوا رسم الهلال في عَلَمِهِم الرسمي تذكيرًا للحادثة، وورث ذلك منهم القياصرة ثم العثمانية لما غَلَبوا عليها، ثم حدث ذلك في بلاد قازان».

قال أبو عبيدة: أمَّا (الراية السوداء)؛ فقد وردت فيها عدة أحاديث (١)، وبعضها في «السنن»، وجاء في كلام بعض الشُّرَّاح أنَّ فيها بياضًا؛ ففي «عون المعبود» (٧/ ٢٥٤): «قال القاضي: أراد بـ (السوداء) ما غالب لونه سواد؛ بحيث يُرى من البعيد أسود، لا ما لونه سواد خالص؛ لأنه قال: (من نمرة) -بفتح فكسر-؛ وهي بردة من صوف يلبسها الأعراب، فيها تخطيط من سواد وبياض، ولذلك سمِّيت (نمرة) تشبيهًا بـ (النمر)».

وقال الدمياطي في «المختصر في سيرة سيد البشر» (١/ ٣٩): «وكانت ألويَتُه بيضاء، وربَّما جعل منها الأسود، وربَّما كانت من خُمر بعض نسائه -رضي الله عنهن-».

وقال ابن حجر في «فتح الباري» (٦/ ١٢٧): «وقيل: كانت له راية تسمَّى (الراية البيضاء)، وربَّما جعل فيها شيء أسود».

ولعلَّ هذا يُحمل على المغايرة بين (الراية) و (اللواء)؛ ففي «مصنف ابن أبي شيبة» (٥/ ٢٨٩) رقم (٩٦٤٣) عن رجل من أهل المدينة: «إنَّ راية النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت تكون بيضاء، ولواءه أسود».

وكيفما وجِّهت الأحاديث؛ فإنه لم يرِد في رايات النبي -صلى الله عليه وسلم- وألويته ذِكرٌ للهلال، إلا ما عقَدَه لسعد بن مالك فيما تقدَّم.

<<  <   >  >>