لم ألق لها بالا في أول الامر: لانها اختلافات كثيرة جدا، ستثقل حواشي الكتاب وتضاعف من حجمه، ولم أقف على كتاب في نسخه من الاختلاف مثل ما في نسخ " الكاشف " - والله أعلم - حتى " الموطا " الذي ألف فيه الدارقطني " اختلاف الموطآت ".
وبيدي نسخة المصنف فلا داعي للاحتفال بغيرها.
ولم ألق لها بالا في آخر الامر: لاني رأيت في آخر النسخة النص على تاريخ فراغ المصنف من تأليفه: ٢٧ من شهر رمضان لسنة ٧٢٠، وعن يمينه ما نصه بخط المصنف: " فرغ الذهبي من هذه النسخة سنة تسع وعشرين " إي: سبعمائة.
فيكون المصنف قد أخرج الكتاب مرة إولى سنة ٧٢٠، ومرة أخيرة: سنة ٧٢٩، وبينهما إخراج ثالث أو أكثر - والله أعلم -.
أما الدليل على أن المرة التي كانت سنة ٧٢٩ هي المرة الاخيرة: فاعتمادها من قبل المصنف واحتفاظه بها في حوزته زيادة ونقصانا وتنقيحا إلى سنة ٧٤٣ تاريخ إلحاق ترجمة مجاهد بن رباح، كما
تقدم.
واعتمادها أيضا من قبل المصنف وتقديمه لها إلى أصحابه ينسخون عنها مرة ومرتين، من شخص وآخر وآخر، إلى تواريخ متاخرة، كما تراه في تواريخ القراءات والنسخ، آخر هذه الدراسات.
وأما الدليل على أن هناك إخراجا ثالثا أو أكثر بين عامي ٧٢٠ - ٧٢٩: فهذه الاختلافات في النسخ التي أمامي، ومهما يكن من أمر يتوقع من عمل النساخ، لكنه لا يصل أبدا إلى بعض هذا الاختلاف، فهو لا بد مستمد من نسخ أمامهم يعتمدونها، لا سيما أن النسخة الحلبية الثانية ونسخة أبي الفتح السبكي مكتوبتان قبل وفاة المصنف، ونسخة ابن الاسكندري مكتوبة بعد وفاته بقليل: بثاني سنين، وكذلك النسخة الرابعة: نسخة الظاهرية، قريبة عهد به، بعد وفاته بتسع وثلاثين سنة.
فالعهد قريب، فمن أين جاء هذا التغاير الفاحش، لولا أن المصنف أخرج الكتاب عدة مرات!.
وقد ذكرت في التعليق على ترجمة الامام عبد الله بن المبارك رحمه الله أن المصنف قال عنه - في الاصل الذي أعتمده -: شيخ خراسان، ومثله في نسخة ابن الاسكندري التي اعتمدها البرهان السبط، لكن في النسخة الحلبية الثانية ونسخة الحافظ السخاوي من " الكاشف ": شيخ الاسلام! والسخاوي: كغيره من الحفاظ الحريصين على سلامة مصادرهم، ومع ذلك تجد هذه المغايرة عنده.
وتقدم ص ١٤٧ التنويه بظاهرة كثرة الالغا في نسخة ابن الاسكندري، بسبب أنه قابل نسخته التي نسخها عن نسخة، بنسخة أخرى عليها خط المصنف، فنسخة جمعت بين نسختين ظهر فيها ظهورا كبيرا فوارق كثيرة وزيادات، فكيف لو قوبلت بنسخ أخرى!.
وأزيد هنا: أن البرهان السبط رحمه الله يذكر في بعض حواشيه أنه جاءت - هناك - مغايرة في نسخة قرئت على ابن رافع، زيادة أو نقصا، مما يؤكد أنه لو قوبلت بنسخ أخرى لجاءت الفوارق أكثر وأكثر.
وهذا كله يدل على ما استظهرته: أن المصنف أخرج كتابه هذا بين عامي ٧٢٠ و ٧٢٩ إخراجا ثالثا أو أكثر، والله أعلم.