للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ: وَقَدْ زَعَمَ قَوْمٌ: أَنَّ الْمُسْتَثْنَى نَاسِخٌ لِمَا اسْتُثْنِيَ مِنْهُ، وَلَيْسَ هَذَا بِكَلامِ مَنْ يَعْرِفُ مَا يَقُولُ، لِأَنَّ] الِاسْتِثْنَاءَ إِخْرَاجُ بَعْضِ مَا شَمَلَهُ [١ اللَّفْظُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَسْخٍ، وَكَذَلِكَ التَّخْصِيصُ، وَقَدْ يُجَوِّزُهُ بَعْضُ السَّلَفِ فَيَقُولُ "هَذِهِ الْآيَةُ نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةَ. أَيْ: نزلت بنسختها"٢.


١ هذه العبارة غير واضحة من (هـ) كملتها من كتاب المؤلّف المخطوط سماه: بمختصر عمدة الراسخ، في الورقة الثالثة منه.
٢ هذه العبارة أيضاً غير واضحة من (هـ) صححتها من كتب النسخ الأخرى. انظر: مثلاً الناسخ والمنسوخ للنحاس (١١٢)، وسوف يأتي في أماكن كثيرة، نقل المؤلف هذا القول عن النحاس.
قلت: كان الصحابة رضوان الله عليهم والتابعون من بعدهم يرون أن النسخ هو مطلق التغيير الذي يطرأ على بعض الأحكام، فيرفعها ليحل غيرها محلها، أو يخصص ما فيها من عموم، أو يقيد ما فيها من إطلاق. انظر ما قاله الشاطبي: "الذي يظهر من كلام المتقدمين - أن النسخ عندهم في الإطلاق أعم منه في كلام الأصوليين، فقد كانوا يطلقون على تقييد المطلق نسخاً، وعلى تخصيص العموم بدليل متصل أو منفصل نسخاً، وعلى بيان المبهم والمجمل نسخاً- كما يطلقون على رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر نسخاً؛ لأن جميع ذلك مشترك في معنى واحد، وهو مطلق التغيير.
أما النسخ في اصطلاح المتأخرين فهو يقتضي أن الأمر المتقدم غير مراد في التكليف، وإنما المراد ما جيء به آخراً فالأوّل غير معمول به والثاني معمول به وهذا تغيير خاص"
قلت: وهذه النظرية قد سبق إليها إمام المفسرين ابن جرير الطبري حيث يشير في تفسيره إلى كتاب له باسم (البيان عن أصول الأحكام) وأخبر أنه دلل فيه (بما أغنى عن تكريره في هذه الموضع) - (على أن لا ناسخ من آي القرآن وأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما نفى حكماً ثابتاً ألزم العباد فرضه، غير محتمل بظاهره وباطنه غير ذلك. فأما إذا احتمل غير ذلك من أن يكون بمعنى الاستثناء أو الخصوص والعموم، أو المجمل والمفسر- في الناسخ والمنسوخ بمعزل ... ولا منسوخ إلا الحكم الذي قد كان ثبت حكمه وفرضه".
وأما الإمام ابن حزم الظاهري فيقول: "وقد تشكل قوم في معاني النسخ والتخصيص، والاستثناء فقوم جعلوها كلها نوعاً واحداً، قال أبو محمد وهذا خطأ ... " ثم بيّن الفرق بين الاستثناء والنسخ وقال: "فإن كان هذا لمخالف يريد أن يقول: إن النسخ نوع من أنواع الاستثناء، لأنه استثناء زمان وتخصيصه بالعمل دون سائر الأزمان، لم نأب عليه ذلك، ويكون حينئذٍ صواب القول إن كل نسخ استثناء، وليس كل استثناء نسخاً، وهذا صحيح. انظر في ذلك كله: الموافقات للشاطبي٣/ ١٠٨؛ وجامع البيان عند ذكر آية (١١٥) {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} ١/ ٤٠٢؛ والأحكام في أصول الأحكام لابن حزم ٤/ ٤٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>