للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ: ذِكْرِ مَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي سُورَةِ حم عسق

ذِكْرُ الْآيَةِ الأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الآرْضِ} ١.

زَعَمَ قَوْمٌ مِنْهُمُ ابْنُ مُنَبِّهٍ٢ وَالسُّدِّيُّ، وَمُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} ٣. وَهَذَا قَبِيحٌ، لِأَنَّ الآيَتَيْنِ خَبَرٌ، وَالْخَبَرُ لا يُنْسَخُ، ثُمَّ لَيْسَ بَيْنَ الآيَتَيْنِ تَضَادٌّ؛ لِأَنَّ اسْتِغْفَارَهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ اسْتَغْفَارٌ خَاصٌّ لا يَدْخُلُ فِيهِ إِلا مَنِ اتَّبَعَ الطَّرِيقَ المستقيم فلأولئك طلبوا الغفران والإعادة مِنَ النِّيرَانِ وَإِدْخَالَ الْجِنَانِ.

وَاسْتِغْفَارُهُمْ لِمَنْ فِي الأَرْضِ لا يَخْلُوا مِنْ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُرِيدُوا بِهِ الْحِلْمَ عَنْهُمْ وَالرِّزْقَ لَهُمْ، وَالتَّوْفِيقَ لِيَسْلَمُوا، وَإِمَّا أَنْ يُرِيدُوا بِهِ مَنْ فِي الأَرْضِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَيَكُونُ اللَّفْظُ عَامًّا وَالْمَعْنَى خاصاً، وقد دلت عَلَى تَخْصِيصِ عُمُومِهِ قَوْلُهُ: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} والدليل الموجب لصرفه عَنِ الْعُمُومِ إِلَى الْخُصُوصِ أَنَّ الْكَافِرَ لا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُغْفَرَ له فعلى هذا البيان


١ الآية (٥) من سورة الشورى.
٢ وهب بن منبه ابن كامل اليماني، ثقة من الثالثة مات سنة بضع عشرة ومائة انظر: تقريب التهذيب (٣٧٢). ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مقدمة أصول التفسير ٥٦ - ٥٧: (كان ممن يأخذ عن أهل الكتاب، فهذا لا يجوز تصديقه ولا تكذيبه إلا بحجة).
٣ الآية السادسة من سورة غافر.

<<  <  ج: ص:  >  >>