للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْتُ: وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قَالُوا إنما أَخَذُوهُ مِنْ دَلِيلِ الْخِطَابِ (إِنَّمَا هُوَ) ١ حُجَّةُ مَا لَمْ يُعَارِضْهُ دَلِيلٌ أَقْوَى مِنْهُ وَقَدْ عَارَضَهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ كَآيَةِ السَّيْفِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَقْتَضِي إِطْلاقَ قَتْلِ الْكُفَّارِ، قَاتَلُوا أَوْ لَمْ يُقَاتِلُوا.

فَأَمَّا الْآيَةُ الأُولَى الَّتِي زَعَمُوا أَنَّهَا نَاسِخَةٌ فَإِنَّهَا تُشْبِهُ الْمَنْسُوخَةَ وَتُوَافِقُهَا فِي حُكْمِهَا، لِأَنَّهَا إِنَّمَا تَضَمَّنَتْ قِتَالَ مَنْ قَاتَلَ.

وَأَمَّا الْآيَةُ الثَّانِيَةُ فَإِنَّهَا إِنَّمَا تَضَمَّنَتْ قِتَالَ الَّذِينَ أُمِرُوا بِقِتَالِهِمْ؛ لأن قوله (واقتلوهم) عَطْفٌ عَلَى الْمَأْمُورِ بِقِتَالِهِمْ.

وَأَمَّا الْآيَةُ الثَّالِثَةُ: فَإِنَّهَا تَتَضَمَّنُ قِتَالَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْآيَةُ الَّتِي ادُّعِيَ نَسْخُهَا مُطْلَقَةٌ فِي كُلِّ مَنْ يُقَاتِلُ.

وَأَمَّا الرَّابِعَةُ تَصْلُحُ نَاسِخَةً لَوْ وَجَدَتْ مَا تَنْسَخُهُ وَلَيْسَ ههنا إِلا دَلِيلُ الْخِطَابِ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ ههنا عَلَى مَا بَيَّنَّا.

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمَنْسُوخَ مِنْهَا قَوْلُهُ: {وَلا تَعْتَدُوا} لِلْمُفَسِّرِينَ فِي مَعْنَى هَذَا الِاعْتِدَاءِ خمسة أقوال:

أحدها: لا تَعْتَدُوا بِقَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ٢.

الثَّانِي: بِقِتَالِ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْكُمْ، قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَابْنُ زَيْدٍ وَهَؤُلاءِ إِنْ عَنُوا مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ، لِأَنَّهُ لَمْ يُعِدَّ نَفْسَهُ للقتال كالنساء


١ هذا في (م)، وتكون العبارة أوضح إذا أسقطنا (إنما) وقلنا (وهو حجة).
٢ أخرجه الطبري عن هؤلاء، في جامع البيان٢/ ١١٥، وذكر السيوطي في الدر المنثور١/ ٢٠٥، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم، وفيه (ولا من ألقى إليكم السلم وكف يده فإن فعلتم فقد اعتديتم) وهذا يشبه ما سيرويه المؤلف قريباً عن ابن قتيبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>