للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ الْآيَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ١.

اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُرَادِ بِهَذَا الانتهاء على قولين:

أحدهما: أَنَّهُ الِانْتِهَاءُ عَنِ الْكُفْرِ٢.

وَالثَّانِي: عَنْ قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ٣ لا عَنِ الْكُفْرِ فَعَلَى الْقَوْلِ الأَوَّلِ الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ وَالثَّانِي يَخْتَلِفُ فِي الْمَعْنَى فَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ يَقُولُ: {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} إِذْ لَمْ يَأْمُرْكُمْ بِقِتَالِهِمْ فِي الْحَرَمِ بَلْ يَخْرُجُونَ مِنْهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فَلا يَكُونُ نَسْخٌ أَيْضًا.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْمَعْنَى اعْفُوا عَنْهُمْ وَارْحَمُوهُمْ، فَيَكُونُ لَفْظُ الْآيَةِ لَفْظُ خَبَرٍ وَمَعْنَاهُ: الأَمْرُ بِالرَّحْمَةِ لَهُمْ وَالْعَفْوُ عَنْهُمْ، وَهَذَا مَنْسُوخٌ بآية السيف٤.


١ الآية (١٩٢) من سورة البقرة.
٢ كذا في التفسير المنسوب إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما وبه فسر الطبري مستدلاً بقول مجاهد المروي عنه بسند صحيح. انظر: تنوير المقياس من تفسير ابن عباس ص:٢١؛ وجامع البيان٢/ ١١٢، وقال ابن العربي في أحكام القرآن١/ ١٠٨: {فَإِنِ انْتَهَوْا} يعني انتهوا بالإيمان فإن الله يغفر لهم جميع ما تقدم.
٣ ذكره المؤلف في زاد المسير١/ ٢٠٠؛ وقال الحافظ ابن كثير {فَإِنِ انْتَهَوْا} أي: تركوا القتال في الحرم وأنابوا إلى الإسلام والتوبة، وهكذا فسر الشوكاني أيضاً. انظر: تفسير القران العظيم١/ ٢٢٧؛ وفتح القدير١/ ١٩١.
٤ قلت: وقد سلك المؤلف في مختصر عمدة الراسخ الورقة الرابعة، وفي تفسيره١/ ٢٠١ مسلكه هنا حيث عرض الآراء بدون ترجيح.
وأما أبو جعفر النحاس ومكي بن أبي طالب وابن خزيمة الفارسي فلم يتعرضوا لدعوى النسخ هنا أصلاً، وكذلك ابن جرير وابن كثير لم يذكرا النسخ، بل فسرا الآية بما يؤكد إحكامها. انظر: جامع البيان٢/ ١١٢؛ وتفسير القرآن١/ ٢٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>