للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا تُنَافِي أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا لِلتَّحَفُّظِ، وَإِنَّمَا شُرِعَ الاسْتِغْفَارُ وَالتَّوْبَةُ بِوُقُوعِ الْهَفَوَاتِ.

وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: "مَعْنَى قَوْلِ الأَوَّلِينَ نُسِخَتْ هَذِهِ الآيَةُ أَيْ: أُنْزِلَتِ الأُخْرَى بِنُسْخَتِهَا وَهُمَا وَاحِدٌ، وَإِلا فَهَذَا لا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ، لِأَنَّ النَّاسِخَ هُوَ الْمُخَالِفُ لِلْمَنْسُوخِ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ الرَّافِعُ لَهُ الْمُزِيلُ حُكْمَهُ"١.

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَيْسَتْ مَنْسُوخَةً، لِأَنَّ قَوْلَهُ: {مَا اسْتَطَعْتُمْ} بَيَانٌ لِحَقِّ تُقَاتِهِ وَأَنَّهُ تَحْتَ الطَّاقَةِ فَمَنْ سَمَّى بَيَانَ الْقُرْآنِ نَسْخًا فَقَدْ أَخْطَأَ.

وَهَذَا فِي تَحْقِيقِ الْفُقَهَاءِ يُسَمَّى: تَفْسِيرٌ مُجْمَلٌ أَوْ بَيَانٌ مُشْكَلٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقَوْمَ ظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ تَكْلِيفُ (مَا لا يُطَاقُ) ٢ فَأَزَالَ اللَّهُ إِشْكَالَهُمْ. فَلَوْ قَالَ: لا تَتَّقُوهُ حَقَّ تُقَاتِهِ كَانَ نَسْخًا، وَإِنَّمَا بَيَّنَ٣ أَنِّي لَمْ أُرِدْ بِحَقِّ التُّقَاةِ، مَا لَيْسَ فِي الطَّاقَةِ٤.


١ انظر نص كلام النحاس في كتابه الناسخ والمنسوخ ص: ٨٦.
٢ في (هـ): ولا يطاق.
٣ في (هـ): (لم) زائدة ولعلها من الناسخ.
٤ قال المؤلف - رحمه الله في تفسيره بعد إيراد دعوى النسخ والإحكام عن قائليهما -: "قَالَ شَيْخُنَا عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ الله: والاختلاف في نسخها وإحكامها يرجع إلى اختلاف المعنى المراد بها، فالمعتقد بنسخها يرى: أن حق تقاته الوقوف مع جميع ما يجب له ويستحقه، وقد يعجز الكل عن الوفاء فتحصيله من الواحد ممتنع. والمعتقد إحكامها يرى أن حق تقاته أداء ما يلزم العبد على قدر طاقته فكان قوله تعالى: {مَا اسْتَطَعْتُمْ} مفسراً لـ {حَقَّ تُقَاتِهِ} لا ناسخاً ولا مخصصاً". انظر: زاد المسير ١/ ٤٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>