للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ الْآيَةِ الْعَاشِرَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} ١.

هَذَا كَلامٌ مُحْكَمٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: {إِلاّ مَا قَدْ سَلَفَ} أي: بعد ما قَدْ سَلَفَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ. وَزَعَمَ بَعْضُ مَنْ قَلَّ فَهْمُهُ: أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ نَسَخَ مَا قَبْلَهُ. وَهَذَا تَخْلِيطٌ لا حَاصِلَ لَهُ وَلا يَجُوزُ أن يلتفت إليه من جهتين: أحدهما: أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ لَيْسَ بِنَسْخٍ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ عَائِدٌ إِلَى مُضْمَرٍ تَقْدِيرُهُ: فَإِنْ فَعَلْتُمُ عُوقِبْتُمْ إِلا

مَا قَدْ سَلَفَ، فَإِنَّكُمْ لا تُعَاقَبُونَ عَلَيْهِ، فَلا مَعْنَى لِلنَّسْخِ هَهُنَا٢.

ذِكْرُ الآيَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأخْتَيْنِ إِلاّ مَا قَدْ سَلَفَ} ٣.

وَهَذِهِ حُكْمُهَا حُكْمُ الَّتِي قَبْلَهَا. وَقَدْ زَعَمَ الزَّاعِمُ هُنَاكَ: أَنَّ هَذِهِ كَتِلْكَ فِي أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ نَاسِخٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا رذولة هذا القول٤.


١ الآية (٢٢) من سورة النساء.
٢ ذكر ابن حزم الأنصاري في ناسخه (٣٣٠) وهبة الله بن سلامة في ناسخه (٣) أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِالِاسْتِثْنَاءِ.
٣ الآية (٢٣) من سورة النساء.
٤ قلت: لم يتعرض المؤلف في تفسيره ولا النحاس ولا مكي بن أبي طالب لدعوى النسخ في هذه الآية ولا في التي قبلها، إنما ذكر ذلك ابن حزم وابن سلامة في المصدرين السابقين، حيث قالا: "نسخت بالاستثناء".

<<  <  ج: ص:  >  >>