للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} نَسَخَتْهَا {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} ١.

وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ هَذَا عَنِ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ٢ وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّهُ لا تَنَافِيَ بَيْنَ الآيَتَيْنِ، وَإِنَّمَا حُكْمُ كُلِّ آيَةٍ قَائِمٌ في موضعها. فإن قلنا: إن قوله: {إِلاّ تَنْفِرُوا} أُرِيدَ بِهِ غَزْوَةُ٣ تَبُوكٍ فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ فُرِضَ عَلَى النَّاسِ كَافَّةً النَّفِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِهَذَا عَاتَبَ الْمُخَلَّفِينَ وَجَرَتْ قِصَّةُ الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا٤.

وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ الَّذِينَ اسْتَنْفَرُوا حَيٌّ مِنَ الْعَرَبِ مَعْرُوفٌ كَمَا ذَكَرْنَا فِي التَّفْسِيرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: اسْتَنْفَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيًّا مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَتَثَاقَلُوا عَنْهُ، وَأَمْسَكَ عَنْهُمُ الْمَطَرُ فَكَانَ عَذَابَهُمْ٥. فَإِنَّ أُولَئِكَ وَجَبَ عَلَيْهِمُ النَّفِيرُ٦ حِينَ اسْتَنْفَرُوا، وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى إِحْكَامِ الآيَتَيْنِ وَمَنْعِ النَّسْخِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ: ابْنُ جَرِيرٍ٧ وَأَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ، وَحَكَى القاضي


١ الآية (١٢٢) من سورة التوبة.
٢ ذكر الطبري ١٠/ ٩٥ من جامع البيان هذا القول عن الحسن وعكرمة كما ذكر نحوه النحاس بسند ضعيف عن ابن عباس، وعن الحسن وعكرمة، ثم قال: "وهذا مما لا ينسخ لأنه خبر ووعيد". انظر: الناسخ والمنسوخ ص: ١٦٧.
٣ في (م): غزوت بالتاء المفتوحة، وهو خطأ إملائي.
٤ كما جاء في آية (١١٨) من السورة نفسها.
٥ رواه أبو داود والبيهقي في سننهما وفي إسنادهما نجدة بن نفيع وهو مجهول كما قال الحافظ في التقريب (٣٥٦) وذكر السيوطي هذا الحديث في الدر المنثور ٣/ ٢٣٩، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وأبي الشيخ والحاكم، وابن مردويه.
٦ في (م): اليقين، والذي أثبت عن (هـ) أنسب للمقام.
٧ انظر ما قاله الطبري في إحكام الآية من جامع البيان ١٠/ ٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>