٢ قال الإمام الشافعي رحمه الله بعد أن روى قول ابن المسيب بإسناده: (فهذا كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ إِنْ شاء الله وعليه دلائل من القرآن والسنة). قلت: المؤلف رحمه الله لم يبد رأيه في نسخ الآية - كما هنا -، في مختصر عمدة الراسخ، ولم يتعرض في تفسيره لدعوى النسخ، وأما النحاس فيورد أربعة أقوال في الآية: الأول: أنها منسوخة، على رأي ابن المسيب رحمه الله. والثاني: أنها محكمة ومعناها الوطأ، هذا على رأي ابن عباس، رضي الله عنهما، وهو اختيار الطبري. والثالث: الزاني المجلود في الزنا لا ينكح إلا مجلودة مثله، وهو مروي عن أبي هريرة والحسن، ثم قال النحاس وهذا الحديث يجوز أن يكون منسوخاً. والرابع: وهي الزانية التي تكتسب بزناها، وتنفق على زوجها، وهذا المعنى مروي عن عبد الله بن عمرو، وهو قول مجاهد ثم قال النحاس: هذا الحديث من أحسن ما روي في هذه الآية، فإذا صح جاز أن تكون الناسخة بعده والله أعلم بحقيقة ذلك. هكذا أورد مكي بن أبي طالب الآراء الأربعة عن أصحابها ولم يرجح راياً دون آخر. وأما الإمامان ابن جرير، وابن كثير، فقد فسرا بما يؤيد إحكام الآية، وإليك نص ما ذكره ابن كثير بعد إيراد هذه الآية: (هذا خبر من الله تعالى بأن الزاني لا يطأ إلا زانية أو مشركة، أي: لا يطاوعه على مراده من الزنا إلا زانية عاصية أو مشركة لا ترى حرمة ذلك، وكذلك الزانية لا ينكحها إلا زان، أي: عاص أو مشرك لا يعتقد تحريمه) ثم يروي نحو هذا المعنى من طريق سفيان الثوري عن حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما، ويقول: هذا إسناد صحيح عنه، وقد روى عنه من غير وجه، كما روى عن مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وعروة بن الزبير، والضحاك، ومكحول، ومقاتل بن حيان، وغير واحد نحو ذلك. ويقول ابن كثير أيضاً: (ومن هنا ذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إلى أنه لا يصح العقد من الرجل العفيف على امرأة البغي ما دامت كذلك حتى تستتاب، فإن تابت، صح العقد عليها وإلا فلا، وكذلك لا يصح تزويج المرأة الحرة العفيفة بالرجل الفاجر المسافح حتى يتوب توبة صحيحة لقوله تعالى: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} انتهى. وقد ذكر هذا القول المؤلف في زاد المسير، وقال: (وهو مذهب أصحابنا). وقد ناقش أستاذنا الدكتور مصطفى زيد هذه الآية مناقشة جدية في كتابه النسخ في القرآن الكريم، فيقول في نهاية المناقشة: (إن علاقة الآيتين الناسخ والمنسوخ هنا من نوع علاقة الخاص الإضافي بالعام، تخصيص عمومه ولا تنسخ به وقد أسلفنا أن الحنفية يسمون مثل هذا نسخاً، إن كان العمل بالعام فيه ممكناً قبل نزول الخاص، فإن الخاص حينئذ، يعتبر ناسخاً للعام بمعنى أنه رفع الحكم، عن أفراد كان العام يشملهم قبل أن ينزل الخاص، أما إذا لم يكن العمل بالعام ممكناً قبل نزول الخاص فلا خلاف بين الأئمة في أن نزول الخاص بعده مخصص له، لا ناسخ). انظر في ذلك كله: كتاب الأم للإمام الشافعي٥/ ١٠؛ وأحكام القرآن له١/ ١٧٨؛ والسنن الكبرى للبيهقي٧/ ١٥٤؛ وزاد المسير٦/ ٩؛ ومختصر عمدة الراسخ المخطوط ورقة (١٠)؛ والناسخ والمنسوخ للنحاس ص: ١٩٣ - ١٩٤؛ والإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص: ٣١٢ - ٣١٣؛ وتفسير جامع البيان١٨/ ٥٥ - ٥٧؛ وتفسير القرآن العظيم ٣/ ٢٦٢؛ والنسخ في القرآن الكريم الجزء الثاني، فقرة ١١٨٥ - ١١٩٦.