للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُشِيرُونَ إِلَى أَنَّهَا أَثْبَتَتِ الِانْتِصَارُ بَعْدَ بَغْيِ الْمُشْرِكِينَ فَلَمَّا جَازَ لَنَا أَنْ نَبْدَأَهُمُ الْقِتَالَ دَلَّ عَلَى نَسْخِهَا. وَلِلْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا فِي المسلمين قَوْلانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ} ١ فَكَأَنَّهَا نَبَّهَتْ عَلَى مَدْحِ الْمُنْتَصِرِ، ثُمَّ أَعْلَمَنَا أَنَّ الصَّبْرَ وَالْغُفْرَانَ أَمْدَحُ، فَبَانَ وَجْهُ النَّسْخِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ لِأَنَّ الصَّبْرَ وَالْغُفْرَانَ فَضِيلَةٌ، وَالانْتِصَارُ مُبَاحٌ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ مُحْكَمَةً وَهُوَ الصَّحِيحُ٢.

ذِكْرُ الآيَةِ السَّابِعَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} ٣.

زَعَمَ بَعْضُ مَنْ لا فَهْمَ لَهُ، أَنَّ هَذَا الْكَلامَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} ٤ وَلَيْسَ هَذَا بِقَوْلِ مَنْ يَفْهَمُ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ، لِأَنَّ مَعْنَى الآيَةِ: أَنَّ مَنْ جَازَى مُسِيئًا فَلْيُجَازِهِ بِمِثْلِ إِسَاءَتِهِ، وَمَنْ عَفَا فَهُوَ أفضل٥.


١ الآية (٤٣) من سورة الشورى.
٢ ذكر المؤلف - رحمه الله - في تفسيره٧/ ٢٩٢ بمثل ما ذكره هنا من عرض الأقوال والترجيح، وقال: في مختصر عمدة الراسخ ورقة (١٢) والتحقيق أنها محكمة، وهو اختيار الطبري والنحاس ومكي بن أبي طالب. انظر: المصادر السابقة وفسرها ابن كثير بما يؤدي الإحكام في تفسير القران العظيم ٤/ ١١٨.
٣ الآية (٤٠) من سورة الشورى.
٤ عجز الآية نفسها.
٥ قلت: عزا دعوى النسخ هنا الطبري، والنحاس إلى ابن زيد، ثم قال الطبري: "غير أن الصواب عندنا أن تحمل الآية على الظاهر ما لم ينقله إلى الباطن ما يجب التسليم له وأن لا يحكم لحكم في آية بالنسخ إلا بخبر يقطع العذر أو حجة يجب التسليم لها، ولم تثبت حجة في قوله: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} أنه مراد به المشركون دون المسلمين ولا بأن هذه الآية منسوخة فنسلم لها بأن ذلك كذلك". انظر: جامع البيان ٢٨/ ١٤؛ والناسخ والمنسوخ (٢١٧). وأما المؤلف فلم يتعرض لدعوى النسخ هنا، في تفسيره ولا في مختصر عمدة الراسخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>