للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أحمد: وبنا عَبْدُ الصَّمَدِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: فُرِضَ قِيَامُ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ، فَقَامَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَفَخَتْ أَقْدَامُهُمْ، وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا فِي السَّمَاءِ حَوْلا ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ التَّخْفِيفَ فِي آخِرِهَا، فَقَالَ: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} فَنُسِخَ مَا كَانَ قَبْلَهَا١.

ذِكْرُ الآيَةِ الثَّانِيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} ٢.

قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ مِنْ تَكْذِيبِهِمْ إِيَّاكَ وَأَذَاهُمْ لك {وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} لا جَزَعَ فِيهِ٣ وَهَذِهِ مَنْسُوخَةٌ عِنْدَهُمْ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَهُوَ مَذْهَبُ قَتَادَةَ٤ وَعَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ تَفْسِيرِهَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مُحْكَمَةً٥.


١ ذكره السيوطي في الدر المنثور ٦/ ٢٨٥ وقال: أخرجه عبد بن حميد عن قتادة.
قلت: قضية النسخ هنا مسلم لدى الجمهور، وأما الخلاف بماذا نسخ؟ فقال الشافعي، نسخ في حق الرسول بآية الإسراء، وفي حق المؤمنين بالصلوات الخمس، كما سبق، وقال قوم: نسخ عن الجميع بآخر سورة المزمل، وهو قول ابن عباس وجابر بن عبد الله وعائشة وقتادة، والحسن وجماعة من المفسرين وَقِيلَ نُسِخَ عَنِ الأُمَّةِ وَبَقِيَ عليه فرضه أَبَدًا، وَقِيلَ إِنَّمَا كَانَ مَفْرُوضًا عليه دونهم، واختلفوا في مدة فرضه، على قولين:
أحدهما: سنة، قاله ابن عباس وكان بين أول المزمل وآخرها سنة.
والثاني: ستة عشر شهراً، وهو ما نقله المؤلف عن الماوردي. انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس ص: ٢٥١ - ٢٥٢؛ والإيضاح ص: ٣٨٢ - ٣٨٣؛ وزاد المسير٨/ ٣٨٨ - ٣٨٩.
٢ الآية (١٠) من سورة المزمل.
٣ فسر بذلك الطبري بجامع البيان٢٩/ ٨٤.
٤ أخرجه الطبري في المصدر نفسه، والنحاس في المصدر السابق بإسنادهما عن قتادة.
٥ ذكر المؤلف في مختصر عمدة الراسخ ورقة (١٤) احتمال الإحكام المذكور هنا. وانظر إن شئت الآية (١٧٦) من آل عمران، و (١٠٩) من سورة يونس، حيث أثبت المؤلف إحكام الآية هناك فيما فيه معنى الصبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>