وسرعة التغيير هذه ظاهرة تلفت في حد ذاتها نظر المؤرخ، كما لفتت نظر المؤرخين الأوربيين، سرعة انتشار الإسلام واتساع رقعته التي أصبحت في أقل من قرن، تمتد من قلب فرنسا بفضل موسى بن نصير وطارق بن زياد، إلى قلب الهند مع محمد بن القاسم الثقفي، إلى حدود الصين مع قتيبة.
ونستطيع قياس عجب هؤلاء المؤرخين، إذا قدرنا في نظرهم المدة التي اقتضاها تأسيس أو امتداد الإمبراطورية الرومانية في إفريقيا الشمالية، بعد قرنين طويلين من (الحروب الفينيقية).
ويبدو أن الفرد في العالم العربي، يستطيع الانسجام مع الظروف الاستثنائية أكثر منه مع الظروف العادية.
إنه، إذا حركته فكرة أو قضية كبرى يفعل المعجزات، كما دلت الثورة الجزائرية على الظاهرة نفسها التي تتكرر مع اختلاف في الموقع الجغرافي فقط.
وهذا هو بالضبط موضوع تأملنا:
إن شعبا من الشعوب لا يكتب تاريخه فقط (بالرعد والصواعق) كما يقول (نيتشه)، فإذا كان لابد من طوفان وقيام كوارث من كل نوع، لتستيقظ الضمائر وتنشط الجوارح، فإن ثمن الصفحة من التاريخ سيكون باهظا جدا.
فمن الطبيعي، أنه لابد للشعب إذا ما دقت ساعة الخطر أن يكون في مستواها. ولكن الحياة نسيج أحداث كبيرة وصغيرة. والنبي - صلى الله عليه وسلم - الذي كانت له نظرة ثاقبة في الأشياء، بوصفه أستاذ ينشئ أمة، كان يعلمها تقدير الأشياء البسيطة التي يستصغرها النظر القصير، كأنما يريد بذلك ألا يترك الضمير الإسلامي يحلق فوق الأشياء العادية يزهد بها.
نراه مثلا، في عودة له من إحدى غزواته الكبرى، ربما غزوة تبوك، يقول