وهكذا نرى أن طريقتي الإستثمار تختلفان اختلافا جذريا، ليس من حيث مبدأ التخطيط فحسب، بل من حيث سائر نتائجه الإقتصادية والإجماعية والسياسية. فالإستثمار الأول يقوم أساسا على المال، أما الثاني فهو يعتمد أساسا على الطاقات الإجتماعية.
والأول يتطلب غالبا وسائل مفقودة في البلاد المتخلفة، فيلجأ إلى رؤوس الأموال الأجنبية، وهي حين تأتي، تفرض شروطها السياسية التي تعرض البلاد لمشكلات لا حل لها، أو شروطا فنية تجعل إستثمارها دون جدوى، كالقروض التي استثمرت في جنوب شرق آسيا في نطاق مشروع (كولومبو).
إذ تأتي الأموال والقروض أولا، وتترك البلد الذي ينتظرها مكتوف اليدين مع مشروع معلق، كمصر في سنوات ١٩٥٥ - ١٩٥٦ مع مشروع السد العالي المعلق.
هذا من الناحية السياسية.
أما من الناحية الإقتصادية والإجتماعية، فالفوارق بين الطريقتين أعمق من ذلك بكثير. فالمجتمع الذي ينمو على الطريقة الكلاسيكية للإستثمار، لا يستفيد إلا من جزء من العمل المتوقع (وهو نسبة السواعد التي تعمل فعلا)، بينما يتحمل بالضرورة سائر الأفواه التي تأكل، سواء منها من كان عاملا أو من غير عمل، وبذلك يتحمل بطالة لها أثر مزدوج: فهو يتحمل الشحاذة على نطاق واسع، وهي طفيلية إجماعية تزيد في الأعباء غير المنتجة على كاهل الوطن. إذ الأفواه الطفيلية تأكل على أية صورة كانت. ثم نتيجة أخرى لهذا الأثر هي هجرة العمل المتوقع (الذي تمثله السواعد المعطلة)، والتحاقها بأي من الطاقات العاملة في الخارج، وأحيانا تكون هذه الطاقات ذات كفاءة. وبذلك يصبح هذا المجتمع وكأنما يصدر للخارج ثروته الرئيسية: العمل.