وهذا حوار آخر نشير إليه ولم يكن غريبا في تلك الظروف، كان يدور بين الخليفة عثمان رضي الله تعالى عنه وبين عمار بن ياسر الذي أصبح يوجه أيضا نقدا حارا لسياسة الخليفة، واحتدم النقاش بينهما احتداما جعل الخليفة يرمي عمارا بقوله:
يابن سمية! ...
هذه الكلمة كانت في الجاهلية كفيلة بأن يَسلّ من رُمي بها سيفَه ليقتل أو ليموت اقتصاصا لشرفه، لكن عمار بن ياسر على العكس من ذلك قد رد بكل هدوء:
- أجل يا أمير المؤمنين! إنني ابن سمية!.
لم تكن الكلمة لتعبر عن التغيير العميق في النفس الجاهلية فحسب، فلقد كان لعمار بن ياسر الحق بأن يفخر بأمه سمية رضوان الله تعالى عليها.
فمن هذه المرأة؟
لنترك للسيرة النبوية الجواب على هذا السؤال:
كانت الدعوة في بدايتها تدوي في أرجاء مكة، فتذود قريش عن أصنامها ومصالحها الدنيوية، وأضحى الذي يعتنق الإسلام يذوق من قريش أنواع الأذى وأصناف التعذيب.
ودقت ساعة الشهداء حينئذٍ كما دقت من بعد الهجرة ساعة الأبطال.
كانت بمكة ساحة المعذبين والشهداء، وهي تشبه ساحة (دو جريف Degréve) بباريس أثناء الثورة الفرنسية، مع فارق هام هو أن الوضع معكوس هنا.