ويتفشى الوضع هذا حتى في العلاقات الإقتصادية بين الدول المصنعة والدول النامية. فالعلم إذا تجرد من الأخلاق فإنه يجر حتما إلى وضع اقتصادي مناقض للأخلاق، سواء كان ذلك في الإطار الوطني أو الإطار الدولي.
ومما تجب ملاحظته هنا، أن الاقتصاد ليس سوى إسقاط البعد السياسي على نشاط إنساني معين.
فبقدر ما تبقى السياسة مرتبطة بمبادئ أخلاقية معينة، يبقى الاقتصاد وفيا للمبادئ ذاتها.
فهذه المشكلات يرتبط بعضها ببعض، وليس من الصدفة أو من مجرد وحي استوحاه من الحياة في أثينة، إذ كتب أرسطو كتابه (في السياسة) من أجل اسكندر الأكبر، وكتابه (في الأخلاق) من أجل (ينكوماك) بل إنه إنقاذ لدافع داخلي وجده في روحه بوصفه إنسانا.
وإذا نحن بعد ألفي عام، نرى ماركس يرد على (برودون) بشيء من التعالي والسخرية. وتلك لحظة من لحظات حياة الفكر الإنساني الكبرى، تعبر عن الانفصال الذي مزق تلك الروح.
أجل إن العلم والمضير تطالقا في عالم تسوده حرب طاحنة بين أخوين: الرأسمالية والماركسية، على الرغم من أنهما من نقطة واحدة. بعد أن كانت تسود هذا العالم منذ بداية تاريخه علاقات يطبعها الإخاء والسخاء حسب كلمة ماركس نفسه.
و (خراب الروح) الذي أشار إليه (رابليز) بدأ يعلن أثره في الحياة الأخلاقية، في الإطار الوطني والدولي على السواء.
ولكن الروح يحتفظ- بفضل ما أودع فيه من نزعة التمسك بجوهره- بوحدته، كما تحتفظ الحياة البيولوجية بكيانها بفضل النزعة إلى البقاء.