[الشَّرْحُ] أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَسَبَقَ بَيَانُهَا قَرِيبًا فِي الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ مِنْ الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ وَقَوْلُهُ (وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ) هُوَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا يَطْهُرُ بِمَاءِ الْمَطَرِ وَبِغَسْلِ الْمَجْنُونِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ ابْنَ
سُرَيْجٍ يُوَافِقُ عَلَى هَذَا وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ يُخَالِفُ فِيهِ فَقَدْ نُقِلَ عَنْهُ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ: وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ ابْنِ الْقَاصِّ فَهِيَ مَشْهُورَةٌ عَنْهُ لَكِنْ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ فِي بَابِ الْمِيَاهِ هَذَا غَلَطٌ مِنْ ابْنِ الْقَاصِّ قَالَ وَقَالَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا يَطْهُرُ الثَّوْبُ وَقَالَ صاحب البيان حكي صاحب الافصاح والشيخ أبو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ أَنَّ ابْنَ الْقَاصِّ قَالَ إذَا كَانَ الثَّوْبُ كُلُّهُ نَجِسًا فَغَسَلَ نِصْفَهُ ثُمَّ عَادَ إلَى مَا بَقِيَ فَغَسَلَهُ لَمْ يَطْهُرْ حَتَّى يَغْسِلَهُ كُلَّهُ قَالَ لِأَنَّهُ إذَا غَسَلَ نِصْفَهُ فَالْجُزْءُ الرَّطْبُ الَّذِي يُلَاصِقُ الْجُزْءَ الْيَابِسَ النَّجِسَ يَنْجُسُ بِهِ لِأَنَّهُ مُلَاصِقٌ لِمَا هُوَ نَجِسٌ ثُمَّ الْجُزْءُ الَّذِي بَعْدَهُ يَنْجُسُ بِمُلَاصَقَتِهِ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ ثُمَّ الَّذِي بَعْدَهُ يَنْجُسُ بِمُلَاصَقَتِهِ حَتَّى يَنْجُسَ جَمِيعُ الْأَجْزَاءِ إلَى آخِرِ الثَّوْبِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ غَلِطَ ابْنُ الْقَاصِّ بل بطهر الثَّوْبُ لِأَنَّ الْجُزْءَ الَّذِي يُلَاصِقُ الْجُزْءَ النَّجِسَ يَنْجُسُ بِهِ لِأَنَّهُ لَاقَى عَيْنَ النَّجَاسَةِ فَأَمَّا الْجُزْءُ الَّذِي يُلَاصِقُ ذَلِكَ الْجُزْءَ فَلَا يَنْجُسُ بِهِ لِأَنَّهُ لَاقَى مَا هُوَ نَجِسٌ حُكْمًا لَا عَيْنًا وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ الْجَامِدِ (أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوا سَمْنَكُمْ) فَحَكَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَجَاسَةِ مَا لَاقَى عَيْنَ النَّجَاسَةِ دُونَ الْجُزْءِ الْمُتَّصِلِ بِذَلِكَ الْمُتَنَجِّسِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ لَنَجُسَ السَّمْنُ كُلُّهُ وَأَمَّا ابْنُ الصَّبَّاغِ فَحَكَى أَنَّ ابْنَ الْقَاصِّ قَالَ إذَا غَسَلَ نِصْفَهُ فِي جَفْنَةٍ ثُمَّ عَادَ فَغَسَلَ النصف الآخر لم يطهر حتى بغسله كُلَّهُ وَحَكَى عَنْهُ الْعِلَّةَ الَّتِي ذَكَرَهَا عَنْهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْحُكْمُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاصِّ لَكِنْ أَخْطَأَ فِي الدَّلِيلِ بَلْ الدَّلِيلُ لِمَا قَالَهُ أَنَّ الثَّوْبَ إذَا وُضِعَ نِصْفُهُ فِي الْجَفْنَةِ وَصُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ يَغْمُرُهُ لَاقَى هَذَا الْمَاءُ جُزْءًا مِمَّا لَمْ يَغْسِلْهُ وَذَلِكَ الْجُزْءُ نَجِسٌ وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى دُونَ الْقُلَّتَيْنِ فَنَجَّسَهُ وَإِذَا نَجُسَ الْمَاءُ نَجُسَ الثَّوْبُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَعِنْدِي أَنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ فَإِنْ غَسَلَ نِصْفَهُ فِي جَفْنَةٍ فَالْحُكْمُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاصِّ وَإِنْ غَسَلَ نِصْفَهُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ جَفْنَةٍ فَالْحُكْمُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا آخِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَقَدْ رَأَيْتُ أَنَا الْمَسْأَلَةَ فِي التَّلْخِيصِ لِابْنِ الْقَاصِّ كَمَا نَقَلَهَا الْمُصَنِّفُ وَابْنُ الصَّبَّاغِ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ أَنَّ ثَوْبًا نَجِسًا كُلَّهُ غَسَلَ بَعْضَهُ فِي جَفْنَةٍ ثُمَّ عَادَ إلَى مَا بَقِيَ فَغَسَلَهُ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَغْسِلَ الثَّوْبَ دَفْعَةً وَاحِدَةً هَذَا كَلَامُهُ بِحُرُوفِهِ قَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وجهان الصحيح ما قاله ابن القاص هو أَنَّ جَمِيعَ الثَّوْبِ نَجِسٌ قَالَ وَقَالَ صَاحِبُ الافصاح
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute