للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَصْلٌ

قَدْ أَشَرْتُ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ إلَى طَرَفٍ مِنْ حَالِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبَيَانِ رُجْحَانِ نَفْسِهِ وَطَرِيقَتِهِ وَمَذْهَبِهِ وَمَنْ أَرَادَ تَحْقِيقَ ذَلِكَ فَلْيُطَالِعْ كُتُبَ الْمَنَاقِبِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا: وَمِنْ أَهَمِّهَا كِتَابُ الْبَيْهَقِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَقْتَصِرَ عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَاتِ لِئَلَّا أَخْرُجَ عَنْ حَدِّ هَذَا الْكِتَابِ وَأَرْجُو بِمَا أَذْكُرُهُ وَأُشِيعُهُ مِنْ مَحَاسِنِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَدْعُو لَهُ فِي كِتَابَتِي وَغَيْرِهَا مِنْ أَحْوَالِي أَنْ أَكُونَ مُوفِيًا لَحَقِّهِ أَوْ بَعْضِ حَقِّهِ عَلَيَّ لِمَا وَصَلَنِي مِنْ كَلَامِهِ وَعِلْمِهِ وَانْتَفَعْتُ بِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ إحْسَانِهِ إلَيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ وَأَكْرَمَ نُزُلَهُ وَمَثْوَاهُ: وَجَمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مَعَ أَحْبَابِنَا فِي دَارِ كَرَامَتِهِ: وَنَفَعَنِي بِانْتِسَابِي إلَيْهِ وَانْتِمَائِي إلَى صُحْبَتِهِ

* فَصْلٌ فِي أَحْوَالِ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ مُصَنِّفِ الْكِتَابِ

اعْلَمْ أَنَّ أَحْوَالَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ كَثِيرَةٌ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُسْتَقْصَى لِخُرُوجِهَا عَنْ أَنْ تُحْصَى لَكِنْ أُشِيرُ إلَى كَلِمَاتٍ يَسِيرَةٍ مِنْ ذَلِكَ لِيُعْلَمَ بِهَا مَا سِوَاهَا مِمَّا هنا لك وَأُبَالِغُ فِي اخْتِصَارِهَا لِعِظَمِهَا وَكَثْرَةِ انْتِشَارِهَا

* هُوَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ الْمُتْقِنُ الْمُدَقِّقُ ذُو الْفُنُونِ مِنْ الْعُلُومِ الْمُتَكَاثِرَاتِ وَالتَّصَانِيفِ النَّافِعَةِ الْمُسْتَجَادَاتِ

* الزَّاهِدُ الْعَابِدُ الْوَرِعُ الْمُعْرِضُ عَنْ الدُّنْيَا الْمُقْبِلُ بِقَلْبِهِ عَلَى الْآخِرَةِ الْبَاذِلُ نَفْسَهُ فِي نُصْرَةِ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُجَانِبُ لِلْهَوَى أَحَدُ الْعُلَمَاءِ الصَّالِحِينَ وَعِبَادِ اللَّهِ الْعَارِفِينَ الْجَامِعِينَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ وَالْوَرَعِ وَالزَّهَادَةِ الْمُوَاظِبِينَ عَلَى وَظَائِفِ الدِّينِ وَاتِّبَاعِ هَدْيِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ

* أَبُو إِسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيِّ بن يوسف بن عبد الله الشيرازي الفيروزبادى رحمه الله ورضى الله عنه منسوب إلى فيروزباد بليدة مِنْ بِلَادِ شِيرَازَ وُلِدَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وثلثمائة وتفقه بفارس على أبى الفرج ابن البيضاوى وبالبصرة على الخرزى: ثم دخل بغداد سنة خمس عشرة وأربع مائة وَتَفَقَّهَ عَلَى شَيْخِهِ الْإِمَامِ الْجَلِيلِ الْفَاضِلِ أَبِي الطَّيِّبِ طَاهِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرِيِّ وَجَمَاعَاتٍ مِنْ مَشَايِخِهِ الْمَعْرُوفِينَ: وَسَمِعَ الْحَدِيثَ عَلَى الْإِمَامِ الْفَقِيهِ الْحَافِظِ أَبِي بَكْرٍ الْبَرْقَانِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ شَاذَانَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمَشْهُورِينَ: وَرَأَى رسول الله صلى الله عليه في المنام فقال له يا شَيْخٌ فَكَانَ يَفْرَحُ وَيَقُولُ سَمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْخًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ كُنْتُ أُعِيدُ كُلَّ دَرْسٍ مِائَةَ مَرَّةٍ وَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ بَيْتُ شِعْرٍ يُسْتَشْهَدُ بِهِ حَفِظْتُ الْقَصِيدَةَ كُلَّهَا مِنْ أَجْلِهِ: وَكَانَ عَامِلًا بِعِلْمِهِ صَابِرًا عَلَى خُشُونَةِ الْعَيْشِ مُعَظِّمًا للعلم مراعيا للعمل بدفائق الْفِقْهِ وَالِاحْتِيَاطِ: كَانَ يَوْمًا يَمْشِي وَمَعَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَعَرَضَ فِي الطَّرِيقِ كَلْبٌ فَزَجَرَهُ صَاحِبُهُ فَنَهَاهُ الشَّيْخُ وَقَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الطَّرِيقَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مُشْتَرَكٌ: وَدَخَلَ يَوْمًا مَسْجِدًا لِيَأْكُلَ طَعَامًا عَلَى عَادَتِهِ فَنَسِيَ فِيهِ دِينَارًا فَذَكَرَهُ فِي الطَّرِيقِ فَرَجَعَ فَوَجَدَهُ فَفَكَّرَ سَاعَةً وَقَالَ رُبَّمَا وَقَعَ هَذَا الدِّينَارُ مِنْ غَيْرِي فَتَرَكَهُ وَلَمْ يَمَسَّهُ

* قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ كَانَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ إمَامَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمُدَرِّسَ بِبَغْدَادَ فِي النِّظَامِيَّةِ شَيْخَ الدَّهْرِ وَإِمَامَ الْعَصْرِ رَحَلَ إلَيْهِ النَّاسُ مِنْ الْأَمْصَارِ وَقَصَدُوهُ مِنْ كُلِّ الْجَوَانِبِ وَالْأَقْطَارِ وَكَانَ يَجْرِي مَجْرَى أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>