التفات الخطيب في شئ من الخطبة فما الفرق قلنا الخطب وَاعِظٌ لِلْحَاضِرِينَ فَالْأَدَبُ أَنْ لَا يَعْرِضَ عَنْهُمْ بِخِلَافِ الْمُؤَذِّنِ فَإِنَّهُ دَاعٍ لِلْغَائِبِينَ فَإِذَا الْتَفَتَ كَانَ أَبْلَغَ فِي دُعَائِهِمْ وَإِعْلَامِهِمْ وَلَيْسَ فِيهِ تَرْكُ أَدَبٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُرَادُ بِالِالْتِفَاتِ أَنْ يَلْوِيَ رَأْسَهُ وَعُنُقَهُ وَلَا يُحَوِّلَ صَدْرَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ وَلَا يُزِيلَ قَدَمَهُ عَنْ مَكَانِهَا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَسْتَدِيرُ وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَسْتَدِيرُ فِي الْمَنَارَةِ وَغَيْرِهَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إنْ كَانَ بَلَدًا صَغِيرًا وَعَدَدًا قَلِيلًا لَمْ يَسْتَدِرْ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَفِي جَوَازِ الِاسْتِدَارَةِ وَجْهَانِ وَهُمَا فِي مَوْضِعِ الْحَيْعَلَتَيْنِ وَلَا يَسْتَدِيرُ فِي غَيْرِهِ وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَالسُّنَّةُ فِي إقَامَةِ الصَّلَاةِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَقَائِمًا كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْأَذَانِ فَإِنْ تَرَكَ الِاسْتِقْبَالَ وَالْقِيَامَ فِيهَا فَهُوَ كَتَرْكِهِ فِي الْأَذَانِ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ الِالْتِفَاتُ فِي الْإِقَامَةِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا يُسْتَحَبُّ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ قَالَ وَحَكَى بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ يَعْنِي الْفُورَانِيَّ صَاحِبَ الْإِبَانَةِ عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ قَالَ مَرَّةً لَا يُسْتَحَبُّ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُسْتَحَبُّ وَرَجَّحَهُ
الْبَغَوِيّ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ لِلْحَاضِرِينَ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِالْتِفَاتِ وَالثَّالِثُ لَا يَلْتَفِتُ إلَّا أَنْ يَكْبُرَ الْمَسْجِدُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا شَرَعَ فِي الْإِقَامَةِ فِي مَوْضِعٍ تَمَّمَهَا فِيهِ وَلَا يَمْشِي فِي أَثْنَائِهَا
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الِالْتِفَاتَاتِ فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ وَالِاسْتِدَارَةِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الِالْتِفَاتُ فِي الْحَيْعَلَةِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَا يَدُورُ وَلَا يَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَلَى مَنَارَةٍ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ يُكْرَهُ الِالْتِفَاتُ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَدُورُ وَلَا يَلْتَفِتُ الا أن يربد إسْمَاعَ النَّاسِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ يَلْتَفِتُ وَلَا يَدُورُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى مَنَارَةٍ فَيَدُورُ وَاحْتَجَّ لِمَنْ قَالَ يدور بحديث الحجاج ابن ارطاة عن عوف بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ " رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَبْطَحِ فخرج بلال فاذن فاستدار في اذانه " رواه ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ لَمْ يَسْتَدِرْ وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَجَّاجِ فَجَوَابُهُ مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْحَجَّاجَ ضَعِيفٌ وَمُدَلِّسٌ وَالضَّعِيفُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَالْمُدَلِّسُ إذَا قَالَ عن من لا يحتج به لو كَانَ عَدْلًا ضَابِطًا (وَالْجَوَابُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute